“فقدان الأمان الاجتماعي والمادي والقانوني”.. أكبر مخاوف اللاجئات

منصة عين

سوريات عاملات في تركيا، المصدر: وكالة الأناضول

منذ ثماني سنوات وصلت اللاجئة السورية إيمان ج. (32 عاما) من جرابلس في حلب إلى تركيا، برفقة ابنتها، بعد أن فقدت زوجها وولديها في الحرب في سوريا، ولاحقا حصلت على الحماية المؤقتة، والمساعدة من جمعيات المجتمع المدني، التي سهلت لها أمور السكن والتدريب بشكل مكّنها من الاستقرار والعمل وتعلم اللغة التركية، والاندماج في الحياة في اسطنبول حيث تقيم.

ورغم ذلك تقول إيمان في حديثها لمنصة عين، أنها دائمة الخوف من فكرة العودة بمسمياتها كافة، “أعيش وابنتي الطالبة في المرحلة المتوسطة براحة وأعمل وأتحدث التركية بشكل جيد، ولكن بسبب المضايقات والمناخ المشحون ضد اللاجئين، فأنا دائمة الخوف والتوتر من تغيير السياسات في تركيا وإعادتنا إلى بلادنا، ويراودني هاجس العودة، فلا أحد يرغب بالعودة إلى وطن هرب منه خائفا ومكرها”.

وتضيف إيمان، “هنا طورت نفسي بعد أن كنت مكبلة بالكثير من القيود في سوريا، وأصبحت امرأة جديدة مسؤولة وعاملة، ودائما ما أتحدث وصديقاتي عن إمكانية إعادتنا إلى سوريا؟ ونفكر بمن أبعدوا وهل وجد العائدون والمبعدون الأمل والاستقرار عند عودتهم؟ أم أن هذه العودة حملت لهم المزید من الاضطهاد والتعب والتشرد”.

وتؤكد إيمان أن أكثر ما يقلقها من العودة هو القيود المجتمعية والتقاليد، وقلة فرص العمل المتاحة، والتهديدات الأمنية وحالة عدم الاستقرار في سوريا.

مقيدات وخائفات

مخاوف مشابهة تواجه اللاجئات السوريات في تركيا من العودة إلى سوريا، بمختلف مسمياتها سواء بالترحيل أو الإعادة القسرية أو العودة الامنة، وجميعها ذات بعد اقتصادي واجتماعي وسياسي، وترتبط بالأمان الجسدي والقانوني والمادي والاجتماعي للعائدين.

منصة عين التقت بالعديد من النساء السوريات العاملات في تركيا، اللواتي تحدثن عن هواجسهن وتجاربهن الحياتية، ورؤيتهن لمستقبل العودة إلى سوريا، كما أبدين مخاوفهن من استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية، وما قد تحمله من إمكانية إعادتهن إلى بلدهن، أو تغير السياسة التركية والدولية تجاههم، وبالتالي فقدانهم الملاذ الآمن وإجبارهم على التخلي عن الحياة الجديدة التي بنوها بجهد وتضحية.

سوريات عاملات في تركيا، المصدر: وكالة الأناضول

تقول اللاجئة السورية المقيمة في اسطنبول رحاب يزبك (28 عاما) في حديثها مع منصة عين، “لا أحد يعرف ما يمكن أن يحدث مستقبلا، فالجميع مهدد بالترحيل أو الإعادة، وهناك العديد من الأمور التي تدفع بالسلطات إلى ترحيل السوريين في حال ارتكاب الأخطاء”.

وأكثر ما يقلق رحاب من العودة هو قلة فرص العمل المتاحة للنساء والرجال على السواء، واختلاف تعامل المجتمع مع النساء العاملات المستقلات مقارنة بتركيا، كذلك الوضع الأمني غير المستقر.

بدورها تؤكد اللاجئة السورية همسة عبد العظيم (27 عاما) التي تنحدر من مدينة حمص، وتعمل في صالون للتجميل في مدينة غازي عنتاب، “فكرة العودة تخيفني جدا، ولست مستعدة لها نفسيا، ولو حصلت سأفعل المستحيل لأخرج من سوريا إلى دولة أخرى”.

وعلى الرغم من تحقيق الاستقرار المالي، إلا أن همسة تعيش حالة من القلق المستمر بشأن العودة إلى سوريا، وتخشى أن تعود إلى بلدها لتجد نفسها محدودة في خيارات العمل المتاحة، وتعاني من صعوبات اقتصادية جديدة، كما تشعر بالقلق أيضًا بسبب ما تتوقع أن تواجهه كسيدة مطلقة من تحديات اجتماعية، وقيود مرتبطة بالعادات والتقاليد، تعرقل عمل النساء، وتمنعهن من العمل أو العيش بمفردهن، مما يؤثر على استقلاليتها الشخصية وتحقيق طموحاتها كما تقول.

كما تدعو السيدات لمعالجة هذه المخاوف، عبر توسيع شبكة الدعم الاجتماعية، واللقاء الدوري بأشخاص آخرين يواجهون نفس التحديات، وتبادل الخبرات والمعلومات.

كما تبين أن شعور النساء بالقلق والضغط النفسي نتيجة التوتر وعدم الاستقرار، يؤدي إلى تراجع الصحة النفسية والعاطفية للنساء، ويحد من قدرتهن على اتخاذ القرارات والمشاركة في المجتمع بشكل فاعل.

أكثر المخاوف شيوعا

تبين الباحثة الاجتماعية إيفا وحيد عطفه أن أكثر المخاوف شيوعًا بين جميع السوريين وليس النساء فقط هو الوضع الأمني في المنطقة التي تتم إعادتهم إليها، وهل ستكون العودة قسرية؟ وكيف سيكون شكل العودة الآمنة؟”.

وبرأي الباحثة، “العودة ستكون بالتأكيد قسرية، لأن أغلب اللاجئين استقروا وافتتحوا أعمالًا، وأصبح لديهم عائلات، وأبناء ولدوا وتربوا على ثقافة هذه البلاد، باستثناء بعض الحالات النادرة التي قد تكون العودة فيها برغبتهم الذاتية، ولكن الخوف يتعلق بالوضع الأمني قبل كل شيء، ومن هي الفصائل المسيطرة على المنطقة التي ستتم إعادتهم إليها، وأيضًا قضية الحرية الشخصية والتنقل، فهذه أمور تؤثر على الجميع، ولكن بشكل أكبر على النساء، لأن القيود على النساء أكثر من الرجال وباقي فئات المجتمع”.

وتضيف الباحثة، “بالإضافة إلى الوضع الأمني، هناك الوضع الاجتماعي للمرأة وكيف تغيرت حياتها في تركيا، هل تغيرت بشكل فردي أم مع العائلة؟ وبعودتها ستواجه صعوبات اجتماعية في قبول المجتمع لها، لأنها انفصلت عن بيئتها وانتقلت إلى بيئة جديدة، وعلى الرغم من تشابه العادات والتقاليد بين البلدين، إلا أن نمط السلوك للمرأة تغير في الحياة والعمل والاندماج”.

كذلك تؤكد الباحثة عطفه أنه يجب عدم نسيان الناجيات من الاعتقال، اللاتي جئن إلى تركيا وعانين من الوصم المجتمعي في البيئة التي كنّ فيها في سوريا، وهؤلاء سيواجهن مشاكل أكثر من السيدات العاديات اللواتي نزحن بسبب النزاعات أو النزوح القسري أو الأعمال القتالية.

وتضيف، “هذه فئة يجب ألا ننساها، فالتقبل يعتبر تحديًا في كيفية عودتهن لنفس الوضع الاجتماعي الذي كن يعشن فيه، حيث تختلف العادات الاجتماعية، فالعيش في المجتمع التركي، والقوانين في تركيا، التي شهدت تعديلًا في طريقة التعامل مع المرأة وحريتها في العمل والتفاعل مع الرجال، هو أمر يولد مخاوف بشأن العودة وتأثيرها بحسب المنطقة التي سيعدن إليها”.

 وبالإضافة إلى ذلك، تقول الباحثة عطفه، “هناك مخاوف اقتصادية، بشأن كيفية البقاء في الداخل السوري وكيف ستعيش النساء، ففي تركيا العديد من السيدات اللواتي يعملن ويحصلن على دخل شهري مستدام، يمكنهن من تحمل مسؤوليات منازلهن، حتى إذا لم يكن لديهن وظيفة، فإن المساعدات الاقتصادية في تركيا أفضل من الوضع في الداخل السوري”.

ومن المخاوف التي يمكن أن تواجهها النساء عند عودتهن إلى سوريا أيضا، تقول الباحثة الاجتماعية عطفه، “هو القلق بشأن الوضع الصحي، بما في ذلك توافر المستشفيات والاختصاصات الطبية المتاحة للمراجعة النسائية والتوليد وجميع الأمراض، وهي متوفرة في تركيا بشكل مجاني”.

أهمية الدعم النفسي الاجتماعي

مركز تكامل اجتماعي لتأهيل السوريات في تركيا، المصدر: وكالة الأناضول

وعن كيفية مواجهة التحديات والمخاوف يقول الباحث الاجتماعي شادي الأسود والمطلع على أوضاع السوريين في تركيا، أن الظروف الحالية والقادمة تؤثر بشكل كبير على عملية العودة وتركيبتها بطرق مختلفة.

ويضيف، “مع استمرار المخاوف فيما يتصل بانعدام الأمن في سوريا، كانت عودة اللاجئين السوريين حتى الآن غير منتظمة وانتقائية، كما أن تحسُّن الأوضاع الأمنية، والحصول على الخدمات في سوريا يؤديان دائما إلى زيادة أعداد العائدين، وتؤثر الظروف السائدة في البلدان المضيفة على العودة لسوريا بطرق أكثر تعقيدا، على سبيل المثال، زيادة التحصيل الدراسي تؤدي إلى ازدياد أعداد العائدين على مستوى التعليم الابتدائي، ولكن ليس على مستوى التعليم الثانوي أو الجامعي”.

ويؤكد الباحث أنه يجب معالجة هذه المخاوف عن طريق المنظمات المحلية والدولية، في أي بلد مضيف وليس فقط تركيا، من خلال تمكين المرأة والرجل ورفع الوعي لديهم.

ويضيف، “يجب على هذه المنظمات تأمين الدعم النفسي والاجتماعي قبل الوصول إلى مرحلة العودة إلى سوريا، وتأمين دورات تدريبية يمكن أن تمتد لأكثر من عام، تعلمهم العديد من المهارات المجتمعية والقانونية، وسيكون لها الأثر الواضح لديهم عند عودتهن إلى سوريا”.

القانون وحقوق الإنسان

ويناقض الترحيل والإبعاد القسري مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ تنص المادة 28 على أنه لكل فرد حق التمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما، كما تنص المادة 14 أنه لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد، وكذلك في المادة 9 لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا.

ووفقا للأرقام الرسمية التركية تبلغ عدد النساء والفتيات في تركيا  1.587 مليون أنثى من مجموع اللاجئين البالغ عددهم 3.351 مليون شخص أي ما نسبته 47.36٪.

وأظهرت دراسة أجراها مركز دراسات النوع الاجتماعي في جامعة كوش ارتفاع مشاركة المرأة في القوة العاملة في تركيا مقارنة بسوريا حيث بلغت في العام 2019 ما نسبته 23% في تركيا في العام 2019، ولاحقا ارتفعت النسبة لتصبح 38% ، مقارنة ب 16% في سوريا في العام 2005 وفق دراسة للبنك الدولي، كما تبلغ نسبة السيدات اللواتي يدرن شركات مملوكة للسوريين في تركيا 6%.

وتبين الدراسة  تغيرا في مشاركة النساء في القوى العاملة بعد اللجوء، وأشارت إلى أن اللاجئات السوريات لم يكن لديهن خبرة عملية وتدريب متخصص ورأس مال اجتماعي عند وصولهن إلى تركيا.

وكان المبدأ المعياري بأن المرأة لا ينبغي أن تعمل خارج منزلها، كما كانت هناك فوارق في عدم المساواة بين الجنسين في مجتمع اللاجئين، جعل اللاجئات يعتمدن على الآخرين، مثل أسرهن أو أزواجهن، وهذا ما اختلف لاحقا في المجتمع المضيف.

ووفقًا للبحث الذي أجرته جمعية التضامن مع طالبي اللجوء والمهاجرين (ASAM) وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أفادت أن معظم اللاجئات السوريات في تركيا يعملن في القطاع غير الرسمي.

وعند تحليل البيانات وفقًا لحالة الزواج، كان معدل التوظيف بين المطلقات وغير المتزوجات أعلى من المتزوجات أو الأرامل.

إقرأ أيضا:

إنفو غرافيك تفصيلي حول النساء السوريا في تركيا

CORONA CORONASYRIA coronavirus covid19 marotacity migration REFUGEES syria TURKEY women أطباء أطباء_سوريون إدلب إعادة الإعمار إنفوغرافيك الإعلام_السوري الدفاع المدني السكن البديل باسيليا سيتي دعم_نفسي سرطان سوريا فايروس فيروس كبار_السن كورونا كوفيد19 لاجئين ماروتا سيتي مرأة هجرة

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة