السوريون في تركيا: بين استغلال الإيجارات وعجز الحماية القانونية

منصة عين

منزل معروض للإيجار في تركيا، المصدر: وكالة DHA التركية

أصبحت معضلة الإيجارات تقض مضاجع السوريين في تركيا، مع إصرار أصحاب المنازل على رفع قيمة الإيجار بنسب تتراوح بين 100 و200 في المئة سنويا.

ويجد السوريون أنفسهم عالقين في دوامة، بين القبول برفع الإيجارات بشكل غير قانوني وبنسب غير مبررة، أو الانتقال وإيجاد منزل جديد في منطقة مفتوحة للأجانب حددت نسبتها القرارات الحكومية التركية، برغم ما تحمله من صعوبات، بينها رفض العديد من أصحاب المنازل تأجير سوريين، وصعوبة نقل النفوس إلى المنطقة الجديدة، وهو أمر ضروري ومطلوب لتجديد الإقامة.

حيرة وقلق

“بعد قرارات إدارة الهجرة بحظر السكن على الأجانب في كثير من الأحياء السكنية في تركيا، أصبح هناك استغلال كبير من أصحاب المنازل للسوريين”، يقول محمد مرعي، 34 عاما، اللاجئ السوري المقيم في اسطنبول، مضيفا “قرر المؤجر رفع قيمة الإيجار قبل انتهاء عقدي بشهر واحد، وأبلغني شفهيا برفع الإيجار من عشرة آلاف إلى 24 ألفا، وحين حاولت التفاوض معه أجابني إن لم يعجبك الأمر فبإمكانك الرحيل، والآن أجد صعوبة كبيرة  في قبول دفع هذا المبلغ أو رفضه والمغادرة، خصوصا مع اضطراري لتوقيع ورقة إخلاء قبيل استئجاري العام الماضي، لأنه لم يكن لدي أي خيار آخر”.

ويقوم بعض المالكين الأتراك بالطلب من المستأجر السوري توقيع ورقة إخلاء قبيل توقيع عقد الإيجار، لضمان تركه المنزل بسهولة حين يشاء صاحب الملك ذلك.

يرفضون تأجير السوري

بدوره يقول يوسف كيخيا، 47 عاما، أنه رفض رفع إيجار منزله من 8000 الى 18000، وقرر المغادرة.

ويضيف في حديثه لمنصة  عين، “أسكن في منزل صغير، والإيجار مبالغ به جدا، ويفوق قدرتي على الدفع”.

ويبين يوسف أنه بدأ البحث عن منزل، واتصل بالعديد من المعلنين وتواصل مع العديد من المكاتب، لكن حتى كتابة هذا التقرير لم يجد من يقبل بتأجيره، إذ يرفض العديد من أصحاب المنازل والشقق تأجير السوري، كما يقول.

معاناة يوسف مشابهة لمعاناة مواطنته يسرى الحاج المقيمة في اسطنبول، والتي تقول لمنصة عين، “استأجرت المنزل منذ  ثلاث سنوات، وكانت الأمور تسير بشكل جيد، ولكن العام الماضي قرر المالك رفع الإيجار بنسبة 100 بالمئة مع طلب توقيع ورقة تعهد بالإخلاء،  فوافقت مكرهة، كوني بحثت مطولا عن شقة مناسبة وكنت أواجَه برفض أصحاب المكاتب تأجير الأجانب وخاصة السوريين بحسب طلب المالكين، حتى وجدت منزلي الحالي، كما قبلت بتوقيع ورقة التعهد بالإخلاء رغم علمي بعدم قانونيتها للسبب ذاته.

هذا العام رفع المالك الإيجار أيضا بما يقارب 200% ، من 10 آلاف إلى 28 ألفا، تقول يسرى “ليس أمامي أي حل سوى القبول، فانتقالي وأبنائي ونقل نفوسنا إلى حي جديد أو مدينة أخرى سيصعب الأمر كثيرا على إجراءات الاقامة، لهذا نحن مجبرون على القبول بشروط المالك برفع الإيجار كيفما شاء، لأنه الخيار الوحيد المتاح لنا”.

عليه عدم الخروج

تؤكد المحامية والقانونية السورية سميرة العلي المقيمة في تركيا، في حديثها لمنصة عين أنه لا يحق لصاحب العقار رفع نسبة الإيجار بأكثر من النسبة التي تحددها الدولة كل عام بحسب الوضع الاقتصادي في البلاد، والتي تعادل 25% هذا العام.

 وتلفت المحامية العلي إلى أنه يحق للمستأجر الذهاب للمحكمة في حال رفع المالك الإيجار بأكثر من النسبة القانونية (25 %) التي حددتها الدولة، والمطالبة بحق السكن،  ويجب عليه عدم الخروج من المنزل، والمحكمة ستقف بجانبه، وتقرر استمرار السكن.

أما في حال عدم تمكنه من دفع الإيجار في الأحوال العادية فيجب عليه إخلاء المنزل بعد إنذار المالك عن طريق كاتب العدل.

وتُحمّل القانونية سميرة العلي المسؤولية لبعض المستأجرين الذين يقبلون بتوقيع سندات وعدم تصديق عقد الإيجار عند كاتب العدل في حالات كثيرة، مستدركةً أنهم “مجبرون على ذلك أحياناً إذ لا بديل لديهم غير القبول بالموجود”.

قوانين لا تحمي

رغم وجود ضوابط قانونية إلا أنها لا تحمي المستأجرين، بحسب تأكيد محمد مرعي،  اللاجئ السوري المقيم في بورصة، فمثلا يرفض المالك تصديق العقد لدى كاتب العدل كي لا يخضع للقانون الذي يحدد رفع الإيجار ب ٢٠ أو ٢٥% مع كل نهاية عقد.

ويبين محمد أن اصحاب المنازل يعلمون صعوبة إيجاد سكن، لهذا يقومون باستغلال المستأجر السوري والأجنبي، كما يقومون بالتلاعب بطرق قانونية كي لا تتم مطالبتهم أو سوقهم للمحكمة”.

رفع مالك منزل مرعي الإيجار بنسبة 150% هذا العام و100% في العام الماضي، لهذا يجد مرعي نفسه أمام طريق مسدود.

ويضيف، “إذا خرجت من المنزل، ووجدت منزلا آخر، فيجب دفع التأمين بقيمة ثلاثة أو ستة أشهر، كذلك لا يمكن تثبيت العنوان في الحي ذاته، وإذا لم يثبت العنوان لن أستطيع تجديد الإقامة، وحينها سأدفع مخالفة أو يتم ترحيلي، لهذا أفكر بالخروج من تركيا والذهاب إلى دولة أخرى”.

أما داوود الغزي 62 عاما، المقيم في غازي عنتاب فيبين أن مالك منزله رفع الإيجار 100 بالمئة ثم باع الشقة لمالك جديد، قرر هو الآخر رفع الإيجار أيضا بنسبة 150%، أي بزيادة قدرها 250% عن العام الماضي.

يبين الغزي أنه متردد بتقديم دعوى، رغم قناعته بأن القوانين التركية يمكن أن تنصف المستأجر إذا رفع شكوى، فالقانون التركي حدد أنه على صاحب المنزل إبلاغ المستأجر قبل انتهاء العقد بشكل رسمي برغبته برفع الإيجار بنسبة تتراوح بين  ٢٥ أو ٣٠ %.

ويضيف، “يمكن للسوري الاعتراض على أي زيادة غير قانونية، ويقوم برفع دعوى عن طريق المحاكم بشرط أن يكون ملتزما بالسداد في كل شهر، ويمكن للمحكمة أن تقف بجانب المستأجر، وتحدد الزيادة المنصفة،  ولكن رغم ذلك يستطيع المؤجر إخراجه بحجج مختلفة، كأن يقول  أن لا بيت آخر له، أو أنه يريد تزويج ابنه مثلا”.

بدوره يقول منصور استنبولي أن صاحب المنزل قام بالضغط عليه لتوقيع ورقة إخلاء وسندات، وعليه أن يدفع قيمة السندات أو إخلاء المنزل في حال رفضه للزيادة.

ويبين أنه ورغم كونه مجنسا إلا أنه يخاف دخول المحاكم ورفع دعوى على المالك، وهو يبحث الآن عن منزل آخر، رغم صعوبة الأمر، فكثير من الأتراك يرفض تأجير السوري، حتى لو كان مجنسا.

يعلم منصور  بوجود قوانين تحمي المستأجر وبإمكانه رفع دعوى والبقاء في المنزل حتى تبت المحكمة بالأمر، لكن دخول المحكمة يخيفه من حدوث عواقب إذ أن الكثير من الحوادث سجلت حين قام المالك بالتهجم على المستأجر وضربه وخلع الأقفال وترويع بعض العائلات، كما وصل الأمر في حالات أخرى إلى القتل كما يقول.

وتنص المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه، “لكلِّ شخص حقُّ اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصَّة لإنصافه الفعلي من أيَّة أعمال تَنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إيَّاه الدستور أو القانون”.

تجربة ناجحة

بدوره تمكن راغد ٥٤ عاما الذي يقطن في مدينة غازي عنتاب من الفوز بالدعوى التي رفعها على صاحب المنزل الذي استأجره، بعد أن رفع إيجاره العام الماضي بنسبة ١٠٠%.

يقول راغد لمنصة عين، “رفضت الدفع مصرا على دفع النسبة القانونية التي حددتها الدولة فقط، حينها طالبني مالك المنزل بالإخلاء فرفضت وقررت التقدم بشكوى”.

ويوضح راغد أن كثيرا من السوريين يترددون برفع دعوى على المالك مخافة تكاليف توكيل محامي أو جهلا بالقوانين، ويضيف، “لكن لحسن الحظ  أن زوج شقيقتي محام  وعلى دراية بالقانون التركي وتكفل بمساعدتي، حينها رفعت دعوى ورفضت الإخلاء، خاصة وأنني ملتزم بالسداد ومثبت للعقد لدى كاتب العدل، وحاول صاحب المنزل الادعاء أنه منزله الوحيد لكن تمكنا من إثبات أن لديه منزل في الحي المجاور، وبعد ثمانية أشهر بتت المحكمة بقرار إبقائي في المنزل مع دفع النسبة القانونية فقط”.

ويؤكد راغد على أنه من المهم جدا الالتزام بنص العقد والتسديد في الوقت المناسب، وتثبيت العقد لدى كاتب العدل، ورفض توقيع ورقة إخلاء كي يحافظ المستأجر على حقوقه ويمنع أصحاب الملك من استغلاله والتحكم به”.

“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة