الفحص المبكر للسرطان والدعم النفسي أساسيات التغلب على المرض

منصة عين

أحد مراكز التعليم الصحي للمهاجرين في تركيا – المصدر: وكالة الأناضول

“أصعب لحظات حياتي حين علمت أنني مصابة بالسرطان، أفكار كثيرة وصور مرت ببالي أولها هل سأموت؟، وبدأت أتخيل كيف سأصبح شاحبة، وكيف ستتغير ملامحي حين أفقد شعري ووزني، وربما أصدقائي سيبتعدون عني، وسأتوقف عن الدراسة، وأنا المتفوقة في صفي”.

تقول رغد، ٢٠ عاما، المقيمة في مدينة اسطنبول منذ أكثر من عشر سنوات، والتي شخصت بسرطان الدم حين كانت في الثانية عشرة من عمرها، في حديثها لمنصة عين.

ورغم الأفكار السلبية التي عاشتها مع بداية تشخيصها بالمرض، إلا أن دعم عائلتها ومحيطها أثر في رحلة علاجها،  وحثها على المواجهة بكل قوة.

كانت رغد تتلقى دعمًا كبيرًا من عائلتها وأصدقائها ومدرسيها الذين كانوا يزورونها دون انقطاع، ويظهرون لها الحب والدعم بطرق عديدة.

“شعرت بكم هائل من الحب، وأنه لم يتم نسياني، وأن الجميع في مدرستي ينتظر عودتي”.

خلال فترة العلاج، وكلما تحسن وضعها، كانت رغد تدرس من المنزل بمساعدة مدرسيها وزملائها الذين كانوا يحضرون لشرح ما فاتها من دروس، كما بدأت تحضّر للصف أحيانا بعد ثلاث سنوات من العلاج.

“عدت إلى الصف بشكل متقطع وكان زملائي يستقبلونني في كل مرة بفرحة تشبه الاحتفال، كان الجميع حريص على حمايتي رغم صغر سننا حينها، إلا أن رفاقي اكتسبوا الكثير من المعلومات عن المرض، وعن فقدان المناعة بسبب العلاج الكيميائي، كن يلبسن الكمامات لحمايتي وكان أي طالب يشك بإصابته بالزكام  مثلا، لا يحضر الى الصف، أو يجلس في أبعد مقعد، وكانت إحدى صديقاتي تحرص على التأكد من أن أحدا لن يقترب مني، كي لا يتسبب لي بعدوى”.

لأن الجميع حلفائي انتصرت

تقول رغد  “كان الجميع متمسك بي، غُمرت بحب شديد من أصدقاء الدراسة ومن المدرسين ومن الأهل، كنت محظوظة لأنه خلال معركتي مع السرطان كان حلفائي في كل مكان، وحين فقدت شعري تبرعت سبع طالبات بشعرهن لصالحي، ولصالح مرضى سرطان الأطفال”.

بعد أربع سنوات، قال الطبيب لرغد أنها انتصرت على السرطان، ولكن عليها أن تخضع للفحص الدوري بشكل مستمر، وهو إجراء روتيني وضروري للاطمئنان من عدم عودة المرض.

اليوم بلغت رغد العشرين من عمرها، وهي طالبة طب في السنة الثانية، وتنوي بعد انتهاء دراستها أن تتخصص في الأمراض السرطانية، لتعالج الأطفال وتقدم لهم الدعم النفسي والعاطفي ذاته الذي حصلت عليه، “أشعر أنها رسالتي، ويجب علي أن أؤديها كنوع من الامتنان والشكر لله والمجتمع”، تؤكد رغد.

الدعم النفسي يزيد فرص النجاة

وعن أهمية الدعم النفسي تقول رغد أنه أساسي، وتضيف، “لم أر يوما في وجوه صديقاتي الصغيرات شفقة أو حزن، طوال مراحل علاجي، كن يأتينني بمرح كبير ويخبرنني قصصا سعيدة، ولا يتطرقن إلى شحوبي، أو فقدان شعري أو وزني وتعبي، جعلنني أعتقد أني لست مريضة، ولست بمرحلة الخطر إطلاقا”.

وتضيف، “لكني علمت بعد شفائي أنهن كن يبكين بحرقة بعد مغادرتهن، وهذا الدعم من الأهل والمقربين أعطاني قوة وثقة وأمل، وبها تغلبت على المرض الخبيث”.

أما بالنسبة لوالدة رغد فتقول إن مرض ابنتها تسبب بالكثير من الخوف والهلع في عائلتها، ولكن كان القرار بالمواجهة بقوة ومعنويات عالية وبالكثير من الحب والإيمان، فالدعم النفسي جزء من العلاج.

 وتوضح والدة رغد في حديثها لمنصة عين، “كان طبيب ابنتي المعالج يردد دائما أن الدعم النفسي يلعب دورًا حاسمًا في زيادة فرص النجاة، ويساعد على تقليل التوتر والقلق والألم، ويعزز التفاؤل في المريض، لهذا اكتسبنا الكثير من الوعي بالمرض وقرأنا وتثقفنا، وتعلمنا من هذه التجربة أن الوحدة في الصعوبات أمر مؤلم، وأن الوقوف بجانب بعضنا يجعلنا أقوى وأكثر تحملاً”.

وعلى النقيض من قصة رغد، تروي الممرضة عبير قصة صديقتها المقربة ماجدة اللاجئة السورية من حلب والمقيمة في اسطنبول والتي أصيبت بالسرطان بعمر ال 28.

عانت ماجدة لعشر سنوات من مرض سرطان الثدي، واضطرت لاستئصاله بعد معركة طويلة،  كانت تشعر بدعم زوجها الكبير، وعادت لحياتها الطبيعية وكانت في مراحل الشفاء النهائية، ولكن بعد خلافات مع الزوج ورحيله عن المنزل، ساءت حالتها بشدة وتوفيت، كونها لم تعد تقوى على هذه المعركة وحدها.

لهذا تشدد عبير على أهمية الدعم النفسي، وعدم ترك مريض السرطان يواجه آلامه وخوفه وحده، كما يجب تحمله وتحمل تقلبات مزاجه وضيقه فهو يعاني أشد الآلام.

توعية وفحوصات دورية

وكما يلعب الدعم النفسي دورا في محاربة السرطان، كذلك تلعب التوعية والفحوصات الدورية أهمية كبرى في اكتشافه مبكرا وبالتالي زيادة فرص النجاة منه.

ولكن وبالرغم من توفر الخدمات الطبية المجانية للاجئين السوريين في تركيا، وبينها الفحص الدوري المجاني، فعدم الوعي بأهمية الكشف المبكر عن السرطان، وعدم إدراك الأعراض المبكرة، يؤدي إلى تأخر التشخيص، وبالتالي تأخر بدء العلاج، مما يؤثر سلبًا على فرص الشفاء.

تقول الطبيبة النسائية مريم بقاعي المقيمة في غازي عنتاب في حديثها لمنصة عين، أن نسبة قليلة من اللاجئات يقمن بالفحص الدوري لسرطان الثدي، رغم الحملات الواسعة التي تشدد على أهمية إجراء الفحص الدوري للثدي وعنق الرحم، لاعتقادهن أنها ليست من الأولويات، وأن هناك أولويات كثيرة أخرى تشغلهم.

وتبين الطبيبة أن فترة النزاع الطويلة وأوضاع النزوح أدت لارتفاع نسبة الأمية بين اللاجئات وهو سبب من أسباب انخفاض نسبة الفحوصات الدورية.

وتشدد الطبيبة على ضرورة الفحص المبكر، كونه يرفع نسب البقاء على قيد الحياة، ويساعد الطبيب المعالج في اختيار عدد كبير من الإجراءات الطبية، بعكس طلب العلاج في مرحلة متأخرة.

الحضور في مرحلة متأخرة وعدم الالتزام بالعلاج

وفي دراسة  نشرت العام ٢٠٢٣ أعدها قسم الأورام الطبية، في مشفى حيدر باشا للتدريب والأبحاث في إسطنبول، وقسم الجراحة العامة، في مشفى شانلي أورفة للتدريب والأبحاث، وقسم الأورام الطبية في مشفى أضنة للتدريب، إلى أن سرطان الثدي هو الأكثر شيوعا بين اللاجئات السوريات، وأظهرت مقارنة بين النساء التركيات المصابات بالسرطان وبين السوريات، وجود معدلات أقل بكثير لتلقي العلاج الاشعاعي والكيميائي والهرموني بين اللاجئات مقارنة بالمريضات التركيات.

كما بينت الدراسة أن  المستوى الاجتماعي والاقتصادي المنخفض والظروف الصعبة التي تعاني منها اللاجئات يرتبط بالتشخيص المتأخر لمرض السرطان، وعدم القدرة على الوصول إلى العلاج، وذلك على الرغم من أن لديهن إمكانية الوصول إلى جميع مرافق الرعاية الصحية وتلقي علاج السرطان مجانا بما في ذلك العلاجات الأكثر تكلفة.

وأكدت الدراسة أن اللاجئات تحضرن للعلاج بعد أن يكون المرض في مراحل متقدمة، كما بينت الدراسة أن التزام السوريين بالعلاج كان منخفضًا، عازية الأسباب إلى الظروف المعيشية ومشاكل التواصل اللغوية.

ودعت الدراسة إلى إنشاء برامج لفحص للاجئين وتوفير الوصول إلى العلاج سيزيد من فرص البقاء على قيد الحياة ويقلل بشكل كبير من العبء الاقتصادي للسرطان.

وفيما يلي مقارنة بين مريضات السرطان التركيات والسوريات من ناحية تلقي العلاج ونسبة البقاء على قيد الحياة بحسب الدراسة.

حملات توعية ومراكز كشف مجانية

تقدم وزارة الصحة التركية خدماتها عن طريق مراكز مجانية للكشف المبكر عن سرطان الثدي في جميع الولايات التركية، ويتم توفير مركز واحد على الأقل في كل ولاية، وتعرف هذه المراكز باسم “KETEM”، ويمكن العثور على عنوان المركز الأقرب للاجئين بكتابة هذا الاختصار عند البحث في خرائط جوجل.

تهدف هذه المراكز إلى زيادة الوعي حول السرطان وطرق الوقاية منه، ويمكن للجميع بما فيهم اللاجئات السوريات المسجلات، الحصول على الكشف المبكر لسرطان الثدي وعنق الرحم وبشكل مجاني.

وتقدم هذه المراكز خدمات الفحص والتشخيص المبكر لثلاثة أنواع من السرطانات: سرطان الثدي، وسرطان عنق الرحم، وسرطان القولون.

كما تسيّر وزارة الصحة التركية عربات متنقلة لإجراء فحوص سرطان الثدي وعنق الرحم في الولايات التركية، حيث تجرى المعاينات وتؤخذ العينات وترسل إلى المختبرات المعتمدة، وفي حالة اكتشاف المرض، ترسل النتائج إلى الطبيب المختص لإبلاغ المريض والبدء بالإجراءات والعلاجات اللازمة.

وتبين الطبية مريم أنه خلال السنوات الأخيرة ازداد التركيز على أهمية التوعية حول الكشف المبكر لسرطان الثدي وعنق الرحم، وتم نشر مواد علمية ومنشورات يستخدمها عمال الصحة في التوعية وتتضمن المخاطر المرافقة للمرض وطريقة إجراء الفحوصات.

كما تهتم مراكز( WGSS (Women and girls safe space بالتركيز على صحة النساء والفتيات والتوعية الصحية.

وتنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة، أو المرض، أو العجز، أو الترمُّل، أو الشيخوخة، أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.

“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة