تأثيرات كبيرة لرفع الفائدة في تركيا على العمالة السورية

منصة عين

بعد رفع الحكومة التركية أسعار الفائدة لنسب كبيرة وتثبيتها عند الـ 50%، وارتفاع التضخم في تركيا لنسب كبيرة غير مسبوقة، عانى عدد كبير من التجار السوريين من الركود في أسواق العمل، ومنهم من اضطر لإغلاق معمله، أو تقليص نشاطهم التجاري، كما ارتفعت البطالة بين السوريين نتيجة لجوء عدد كبير من رؤوس الأموال لإيداع أموالهم في البنوك التركية وإيقاف أعمالهم، كما أدى رفع الفائدة لارتفاع أسعار عدد كبير من السلع في الأسواق التركية، مما أثر سلبًا على سوق العمل.

كما أدى رفع الفائدة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق التركية، مما زاد من ضغوط الحياة على العمالة السورية وجعل من الصعب عليهم تلبية احتياجاتهم الأساسية.

قصص ومعاناة

قصص كثيرة لعمال سوريين تعكس واقعًا مؤلمًا يعيشه العديد منهم في تركيا بسبب رفع الفائدة، بعد إغلاق أعداد كبيرة من المصانع لأماكن عملهم وتوجههم للحصول على الفوائد من البنوك التركية.

إذ واجه العديد من العمال السوريين فقدان الوظائف وصعوبة في إيجاد فرص عمل جديدة، مما أثر على معيشتهم وحياتهم بشكل كبير.

في أحد الأزقة الشعبية في مدينة غازي عنتاب، يعيش أحمد، عامل سوري يبلغ من العمر 35 عامًا، كانت حياته مليئة بالتحديات والصعوبات، بعد خروجه من سورية ونزوحه إلى لبنان ومن ثم إلى تركيا قبل ستة أعوام.

أحمد كان يعمل في مصنع نسيج تركي، حيث كان يقوم بتفريغ الشاحنات وتحميل الأقمشة، كان يعمل بجد واجتهاد، وكان يعتمد على دخله لإعالة أسرته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال.

ولكن، إثر رفع الفائدة في تركيا، أثر هذا القرار بشكل سلبي على الاقتصاد التركي، وبالتالي على حياة العمال، وتأثر أحمد بشكل كبير، إذ أعلن صاحب المعمل أنه سيغلقه بسبب التكاليف الباهظة المترتبة عليه للعمال، ولارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع الطلب على الأقمشة، وفعلاً تم إغلاق المصنع منذ أربعة أشهر، وأصبح أحمد عاطلاً عن العمل، وكان يبحث عن فرص جديدة بينما يحاول توفير قوت يومه لأسرته.

وعاش أحمد مع أسرته على مبلغ صغير ادخره خلال فترة عمله في المصنع، إذ كان يحصل على الحد الأدنى للأجور، وكان يوفر مبلغا صغيرا جدا ل “الأيام السوداء”، كما وصفها.

وأصبح أحمد يعرض نفسه للتشغيل في أي مكان، حتى في الأعمال البسيطة مثل توصيل الطلبات أو تنظيف المحلات، وتم توظيفه في شركة سورية لتوصيل الطلبات مؤخرا، ولم يكن هذا العمل مثل العمل السابق، لكنه يعتبره فرصة للبدء من جديد.

أما علي، اللاجئ السوري المقيم في تركيا منذ عشرة أعوام، والذي كان يعمل في مصنع صغير يعمل فيه العديد من السوريين والأتراك، بعد قرار رفع الفائدة، اضطر صاحب المصنع لإغلاقه بسبب الضغوط المالية الكبيرة التي واجهها، وبالتالي فقد علي وظيفته ومصدر دخله الوحيد، ولم يكن لديه خيار سوى البحث عن وظيفة أخرى، ولكنه واجه صعوبة كبيرة في العثور على فرص عمل جديدة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.

ويقول علي، “لا أعتقد أن هناك ضغوطا مالية على صاحب المصنع، ولكنني أعتقد أنه وضع أموال المعمل في أحد البنوك، فهو بهذه الطريقة يحصل على مبلغ كبير من المال وهو نائم، فإذا كان لديه خمسة ملايين ليرة وهي قيمة المعمل، سيحصل على مبلغ يتجاوز المائتي ألف ليرة شهريا، وأعتقد أنني حتى لو كنت مكانه سأفعل نفس الشيء، أن تحصل على مبلغ كهذا بدون أي تكاليف تشغيلية هو أمر جميل جدا”.

كما عانى عمر، الذي كان يعمل في محل تجاري كبير في إسطنبول، من تأثيرات رفع الفائدة. بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض الطلب على السلع، مما اضطر صاحب المحل لتقليص عدد العمال، وكان عمر أحد الذين فقدوا وظيفتهم في هذه العملية.

بعد فترة من البحث عن عمل جديد، لم يجد عمر فرصة مناسبة واضطر إلى العودة إلى سوريا للبحث عن فرص عمل هناك.

أصحاب المصانع أيضا

على الجانب الآخر، عانى أصحاب المعامل أيضا من ارتفاع الفائدة والتضخم الكبير الحاصل في تركيا، مما اضطر أعدادا منهم لإغلاق معاملهم أو تقليص نشاطهم التجاري.

يقول عمار قابوني صاحب أحد مصانع المواد الغذائية في مدينة اسطنبول أن ارتفاع أسعار الفائدة كان من أكبر التحديات التي واجهته، إذ بدأت الأمور تتعقد عندما زادت تكاليف القروض التي كان يعتمد عليها لتمويل عمله.

ويضيف عمار، “بالإضافة إلى ذلك، تأثرت تكاليف المواد الخام والشحن بشكل كبير بالتقلبات الاقتصادية، وبدأت بإعادة تقييم استراتيجيتي التجارية والنظر في خيارات تمويل جديدة، كما بدأت في استكشاف فرص التصدير إلى أسواق جديدة”.

ويرى القابوني أن الاستقرار الاقتصادي والتوجه نحو تقليل الفوارق في أسعار الفائدة قد يعزز الاستثمار ويعيد الثقة للمستثمرين.

ويشير في حديثه لمنصة عين، “يُظهر هذا الوضع الصعب الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات لمساعدة هؤلاء العمال الذين يعانون من الظروف الاقتصادية الصعبة، سواء من خلال توفير فرص عمل جديدة لهم، أو تقديم الدعم المالي اللازم لهم للتغلب على هذه الصعوبات، كما يجب أن نأخذ في الاعتبار أن العمالة السورية تسهم في الاقتصاد التركي، ويجب أن يتم توجيه الجهود نحو تحسين ظروف العمل والتأكيد على حقوق العمال لضمان تحقيق التنمية المستدامة”.

بالأرقام

ارتفع معدل التضخم في تركيا على أساس شهري بنسبة 4.53 بالمئة في فبراير الماضي، مقارنة بشهر يناير 2023، وبلغ 67.07 بالمئة على أساس سنوي مقارنة بشهر فبراير من العام 2023.

الدكتور في الاقتصاد مخلص الناظر يقول إن “المصرف المركزي التركي لن يتمكن من تخفيض الفائدة في المرحلة المقبلة قبل أن تنخفض معدلات التضخم دونه بـ5 نقاط على الأقل، وكون تركيا تحسب على الدول الناشئة، لا مفر من الالتزام بالرقم المحدد بـ5 بالمئة”.

ويضيف الدكتور الناظر، “قد تعلن بعض الشركات في مرحلة لاحقة إفلاسها، وخاصة تلك التي كانت تعتمد على القروض التجارية”.

وفي التسعينيات من القرن الماضي، وصل الفائدة الرسمية من البنك المركزي التركي إلى أعلى نسبها عند 60%، وعند استلام حزب العدالة والتنمية الحكم بحلول عام 2003 كانت نسبة الفائدة 50%، وفي محاربة تركيا للفائدة، وصلت في العام 2017 إلى 7.8%، وكانت حينها أفضل سنوات الاستقرار الاقتصادي لحكومة العدالة والتنمية.

وتنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة، أو المرض، أو العجز، أو الترمُّل، أو الشيخوخة، أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.

“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة