منصة عين
صورة تعبيرية لمطعم سوري في مصر – المصدر AFP
مع ارتفاع الحملات العنصرية ضد السوريين خصوصا في تركيا، بدأ السوريون بالبحث عن ملجأ جديد لهم، يتيح لهم استقرارا في بلد جديد، يؤمن لهم حياة جديدة وبعيدة عن التصرفات العنصرية والمشاكل التي تهددهم بشكل أصبح شبه يومي في تركيا.
وكانت إحدى الوجهات التي اختارها السوريون مصر، التي استقبلت الآلاف من السوريين منذ بداية الثورة السورية، وكان أحد أسباب اختيارها أيضا فيما يتعلق بالعادات والتقاليد المجتمعية، والتعليم واللغة.
واستقبلت مصر آلاف السوريين منذ العام 2011، إلا أنها بدأت بفرض تأشيرة الدخول (الفيزا) عليهم منذ العام 2013، كما أنها لم تقم مخيمات للاجئين الذين تم استيعابهم ضمن المجتمع المصري.
ومع ارتفاع أعداد السوريين العائدين إلى مصر، أصبحت الحالة أشبه بظاهرة، إذ يعود السوريون أيضا بأعداد جيدة من أوربا أيضا إلى مصر، ويفتتحون فيها أعمالهم التجارية، إذ تنتشر عبر مجموعات شبكات التواصل الاجتماعي، العديد من المنشورات التي تتساءل عن قابلية العيش في مصر، وطريقة الحياة فيها وتكاليفها.
ملجأ جديد
يقيم نزار الحاج علي في مدينة غازي عنتاب، منذ أكثر من تسع سنوات، بعد أن لجأ إليها قادما من سوريا بطريقة غير شرعية، ويمتلك بطاقة الحماية المؤقتة الكيمليك، ويعمل محاسبا في أحد المصانع التجارية في المنطقة الصناعية التابعة لمدينة غازي عنتاب.
ومنذ شهر بدأ نزار بالبحث عن بلد آخر ليذهب إليه، لأنه بدأ بالخوف من الاستقرار في تركيا، بعد مشاهدته لقصص كثيرة حدثت مع سوريين في مدن أخرى، وفي إسطنبول خصوصا.
تكلفة كبيرة
يقول نزار أنه سيدفع مبلغ مالي كبير بسبب نيته الذهاب إلى مصر، إذ تصل قيمة الموافقة الأمنية التي يجب أن يحصل عليها ليستطيع الدخول إلى مصر 1200 دولارا للشخص الواحد، و700 دولارا للطفل، مما سيضطره لدفع مبلغ يصل لأكثر من أربعة آلاف دولار، للحصول على الموافقة الأمنية، ما عدا أسعار تذاكر الطيران.
ويضيف، “هناك مبلغ من المال استطعت تجميعه لدي خلال السنوات الماضية، سأسافر أنا وعائلتي عن طريقه، وسأقوم بافتتاح مشروعي الخاص هناك، لدي عدد كبير من الأقارب المقيمين في القاهرة والإسكندرية، وسأختار المدينة الأنسب لي عند وصولي”.
استقرار جديد
بدوره يقول أحمد حيدر، وهو لاجئ سوري انتقل إلى مصر منذ أربعة أشهر، أنه يشعر بالراحة في مصر، وأنه استطاع التعايش مع المجتمع المصري بشكل سريع.
ويوضح أحمد، “أخي مقيم في مدينة 6 أكتوبر منذ عامين، ونصحني بالقدوم إلى هنا، وبعد قدومي عشت في هذه المدينة، ووجدت من المصرين ترحابا كبيرا، كما أن السوريين نجحوا هنا بشكل كبير، وافتتحوا أعمالهم ومحالهم وكأنهم في سوريا، ولم يتعرض أي منهم لأي موقف عنصري، فالشعب المصري ودود جدا ويحب السوريين”.
وعندما خرج أحمد من تركيا، حصل على منع دخول لمدة خمسة أعوام، ويقول في حديثه لمنصة عين، “أنصح جميع الخارجين من تركيا ويمتلكون بطاقة الكيمليك، أن يذهبوا لدائرة الهجرة ويحصلوا على طلب إذن سفر، كي يستطيعوا الخروج بدون الحصول على منع دخول لمدة قد تصل لخمسة أعوام، لم أكن أعلم بهذا الموضوع مما كلفني خمس سنوات منع من العودة إلى تركيا، أنا لا أرغب بالعودة الآن، ولكن هناك شعور سيء انتابني عندما وضعوا لي هذا المنع”.
بدوره يقول علي عساف وهو لاجئ سوري انتقل إلى مصر مؤخرا، أنه اضطر للذهاب إلى مصر كونه لم يستطع استحضار خطيبته إلى تركيا، بعد محاولات عديدة.
ويوضح علي في حديثه مع منصة عين، “رغم حصولي على اذن عمل ودفعي للضرائب، حاولت ثلاث مرات الحصول على فيزا لخطيبتي، ولكنها أتت بالرفض، مما جعلني اضطر لاختيار بلد جديد، أستطيع الوصول إليه بتكاليف متوسطة، وأستطيع بدء حياتي فيه من جديد”.
ويضيف علي، “الأمور كان أقل تعقيدا سابقا، ولكن خلال الشهور الأخيرة الماضية، أصبحت التعقيدات شديدة جدا، وخاصة بعد الانتخابات الرئاسية، التي كنا نعول عليها كثيرا بالحصول على ظروف جديدة تريح السوريين المقيمين في تركيا، إلا أن العكس قد حصل، وبدأت التعقيدات والتشديدات في الدوائر الحكومية علينا”.
حق العمل
لا يوجد شكل قانوني لممارسة العمل في مصر للاجئين، ما عدا السوريين الواصلين عن طريق فيزا نظامية، ويملكون جواز سفر ساري المفعول، يمكنهم العمل بشكل قانوني، بحسب المحامي المصري أحمد المطعني.
ويضيف المحامي في حديثه لمنصة عين، “حتى حملة الشهادات العليا من السوريين، ليس لديهم الحق في تعديل شهاداتهم، ولا حتى التقديم لوزارة العمل، وأغلب السوريين من حملة الشهادات اليوم في مصر يعملون بشكل غير قانوني لدى مصريين آخرين”.
أعداد كبيرة
بحسب المنظمة الدولية للهجرة في مصر التي نشرت تقريرًا مفصلًا عن أعداد اللاجئين المُسجلين في المفوضية حتى نهاية شهر تموز 2022، بلغ العدد الإجمالي للمهاجرين المقيمين في مصر حتى نهاية تموز من العام 2022 تسعة ملايين بينهم 1.5مليون سوري
كما ذكرت المنظمة في تقريرها أن تسع ملايين شخص من 133 دولة، بما يمثّل 8.7 % من سكان مصر البالغ عددهم 103 ملايين نسمة، يعيشون في مصر، كما أن السودانيين يأتون في المرتبة الأولى بنحو 4 ملايين، يليهم السوريون 1.5 مليون.
ويوضح التقرير أن الجنسيات الأربع تشكّل نحو 80 % من المهاجرين المقيمين حالياً في مصر، فيما هناك 5.5 ملايين مهاجر يعيشون في مصر منذ أكثر من 10 سنوات.
وقال تقرير “منظمة الهجرة الدولية” إن المهاجرين في مصر “يسهمون بشكل إيجابي في سوق العمل، ونمو الاقتصاد المصري”، وأن “أكثر من ثلثهم يعملون في وظائف وشركات مستقرة، ما يشير إلى إسهامهم بشكل إيجابي في سوق العمل، ونمو الاقتصاد”.
وأشار التقرير إلى أن 30 ألف مستثمر سوري مسجلون في مصر، ويقدر حجم الأموال التي استثمروا فيها بنحو مليار دولار.
ترحيب مصري
المحامي المطعني أشار إلى وجود ترحيب كبير من الشعب المصري بالسوريين داخل أراضي جمهورية مصر، ولفت الانتباه إلى الانسجام التام بين الشعبين في العادات المجتمعية والطعام والتناغم الحاصل بين الطرفين.
محمد أسامة مواطن مصري مقيم في مدينة القاهرة في حي المهندسين، أشار خلال حديثه لمنصة عين إلى أنه يعيش في بنائه الذي يقطن فيه مع عائلته، عائلتين سوريتين، وأنهم يتشاركون الأفراح والأتراح منذ عشر سنوات.
ويضيف محمد، “منذ عشرة أعوام قطنت العائلتان في البناء الذي نعيش فيه، في البداية كان هناك شعور غريب لدينا، ولكن بعد التعرف عليهم، أصبحنا نشعر وكأننا عائلة واحدة، كما شاركونا مأكولاتهم المميزة التي أحببناها كثيرا، كما نذهب مع بعضنا البعض في بعض الأحيان لقضاء إجازة نهاية الأسبوع”.
ويلفت محمد إلى إعجابه الشديد بالطعام السوري، “قبل مجيء السوريين، كان لدينا مطعم واحد في القاهرة يبيع المأكولات السورية، وكنا معجبين به جدا واسمه مطعم أبو عمار السوري، أما اليوم وبعد حدوث التنوع الكبير في المأكولات السورية، أصبحنا في حيرة من أمرنا أين نأكل، وصدق أو لا تصدق، معظم طعامي أنا وعائلتي من مطاعم سورية”.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.