تأثير حملات الترحيل على السوريين من أفراد وشركات ومستثمرين

منصة عين

منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، يعيش السوري ياسر ح. (37 عاما) حالة من القلق والخوف في منزله في حي أسنيورت التابع لمدينة اسطنبول، حيث قرر تجنب الخروج للعمل بعدما تصاعدت حملات الترحيل والمضايقات التي طالت السوريين غير الحاصلين على إقامة قانونية.

ياسر الذي يعمل مياوما في معمل لصناعات النسيج في الحي ذاته، يروي لمنصة عين تأثير هذه الحملات على حياته وعائلته.

يقول ياسر، “أعمل أكثر من 12 ساعة يوميًا، براتب يقل عن الحد الأدنى للأجور، وبدون تأمين اجتماعي. ومع بدء حملات الترحيل، أصبحت أشعر بالخوف الشديد من أن يلقى القبض علي، ويتم ترحيلي إلى شمال سوريا، لذا قررت تجنب الخروج من المنزل والاختباء”.

ويضيف ياسر، “بداية كنت اختار طرقًا فرعية وأتجنب المرور في الشوارع الرئيسية خلال تنقلي من وإلى عملي، وكان هذا الأمر يربكني ويخيفني،  ورغم أن عملي قريب من مكان السكن، إلا أنها كانت رحلة يومية مليئة بالمخاطرة، إذ كنت قبل أن أخرج من المنزل أراقب الشارع جيدا خوفا من وجود حاجز تفتيش، وأتجنب الطرق الرئيسية وأتصل بمعارفي في الشارع الذي سأمر به لمعرفة الوضع، وأمشي متلفتا في كل الاتجاهات، حتى استنزفت نفسيا وقررت البقاء في المنزل”.

وما يزيد من توتر ياسر هو أنه يعيل عائلة تتألف من 5 أبناء بالإضافة إلى زوجته، ويقوم بإرسال مبلغ شهري إلى والدته المقيمة في  منطقة حارم شمال سوريا لشراء الأدوية، لذا، إذا تم ترحيله، فإن ذلك سيكون كارثيًا على عائلته ووالدته كما يقول، لهذا قرر البقاء حبيس المنزل مؤقتا ريثما يجد حلا لوضعه.

تعمل زوجة ياسر حاليا مع إحدى المنظمات العاملة خارج تركيا وتقوم بالترجمة والتصميم وتعيل العائلة، وتجمع مبلغا من المال تمهيدا لاتخاذ القرار بمغادرة تركيا باتجاه دولة جديدة.

بدوره يقول أحمد (28 عاما) الذي قدم استقالته من عمله في ورشة للصناعات الكيميائية في منطقة توزلا في اسطنبول، “العديد من أصدقائي ومعارفي تركوا أعمالهم خشية الترحيل، فجميعهم لا يملكون إذن عمل وإقامتهم خارج اسطنبول، ومنهم من بقي حبيس المنزل ريثما تخف الحملة، أو يتحضر للذهاب الى الولاية المذكورة على الكيملك رغم الصعوبات الكبيرة المرافقة لهذه العملية، وتكاليف البحث عن منزل واستئجاره وإيجاد عمل، “بالنسبة لي أنا هنا منذ سنوات ولا أعرف مكانا سوى اسطنبول، التي لا أفكر في مغادرتها إلى مدينة بورصة حيث قيودي فهنا أقاربي يقومون بمساعدتي”.

ويبين محمد العبد الله الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية في حديثه لمنصة عين أن معظم العمالة السورية في تركيا هي عمالة غير رسمية، ويقول، “جُل السوريين في تركيا وفي سوق العمل ليس لديهم تصاريح عمل، ومعظم من يقيم منهم في إسطنبول وليس لديه إثبات لشخصيته هو مهدد بالترحيل”.

ويوضح الباحث أن الحملة الأخيرة هي محاولة لنقل أكبر كمية ممكنة من السوريين من إسطنبول إلى مدن أخرى يتبعون لها من حيث قيودهم، والهدف الأساسي من ذلك هو تخفيف العبء عن إسطنبول، والحملة القادمة في نهاية شهر أيلول الجاري، وهي المهلة المحددة من قبل إدارة الهجرة التركية لكل شخص مخالف ليعود للمدينة التي يتبع لها.

تأثر أصحاب الأعمال

وبحسب الباحث العبد الله، “تأثرت الشركات وأصحاب المصالح الاقتصادية التي تضم العمالة السورية بشكل ملحوظ، فهذه العمالة تعتبر خيارا جيدا بالنسبة لأصحاب الأعمال لكونها عمالة رخيصة ترضى بما دون الحد الادنى للأجور، كما أنها تعمل لساعات أطول وجهد أكبر من غيرها، وبدون تامين اجتماعي”، يقول أدهم و. الذي يدير شركة للإنشاءات في اسطنبول، ويبين أن الكثير من السوريين تركوا العمل وهذا ما أثر على دورة الإنتاج ” أكثر من نصف العمال السوريين لدينا توقفوا عن المجيء للعمل”.

ويشير أدهم إلى أن حملات الترحيل والتضييق تسببت في تراجع العمالة السورية في أماكن العمل، كما أثرت بشكل كبير على حياة ومداخيل السوريين وتضررت العديد من العائلات  والأفراد وأصحاب الأعمال والمهن في تركيا على حد سواء.

ويبين أن ردة فعل أصحاب العمل متفاوتة فالبعض من أصحاب الأعمال عمدوا إلى خفض الراتب مستغلين خوف العامل من التوقيف، كونه مخالف ولن يجرؤ على الشكوى، كما استعاض البعض عن العمالة السورية بعمالة تركية، وقام قلة من أصحاب الورش بتأمين سكن للعمال داخل مقر الشركة .”

وحول الضرر الذي خلّفه ترحيل السوريين من البلاد على سوق العمل، يقول وائل علبي مسؤول المبيعات في مؤسسة سورية في إسطنبول ان كثيرون أصبحوا خائفين من حملات الترحيل ويبقون حبيسو المنزل أو قدموا استقالتهم تمهيدا للعودة الى المقاطعة المذكورة على الكيمليك.

ويضيف علبي، “انخفضت الأعمال كثيرا وقل الإنتاج فكان القرار بتأمين مكان لسكن العمال الذين تناقص عددهم للربع للإقامة داخل الشركة، ريثما نجد حلا أو تخف الحملة، فالشركات تحتاج للعمالة السورية لأنها تعمل ساعات اطول وبمجهود أكبر، ونحن نحتاجهم لأننا قمنا بتدريبهم ولديهم خبرة جيدة”.

بدورها توقفت هناء عن الذهاب الى عملها في معمل لتصنيع العطور في اسطنبول، وتقول أن السوريات الأربعة اللواتي تعمل معهن توقفن عن العمل كذلك، وتضيف” أعمل هنا منذ 4 سنوات، واساهم مع اخوتي الموجودين في ليبيا في إعالة والدتي المريضة ودفع مصاريف المنزل التي ارتفعت بشكل كبير ، والآن أصبحت دون عمل فلو تم ترحيلي لن تجد والدتي المريضة من يهتم بها، والآن يتساعد اخوتي الموجودين في ليبيا بالمدفوعات والإيجار وأدوية أمي، وانا انتظر أي حل، فربما يصدر قرار جديد يسمح للسوريين بالبقاء أو سأضطر الى المغادرة برفقة والدتي إلى ولاية شانلي اورفا مكان قيدي في الكيملك، والبحث عن منزل وعمل والبدء من الصفر”.

أما في مكان العمل تقول هناء “تم الاستعاضة عن السوريات بأربعة موظفات تحملن الجنسية التركية، وصاحب العمل غاضب جدا لأنهن ترفضن القيام بالأعمال التي كنا نقوم بها والتي تتخطى المبيعات إلى التعبئة والتغليف وأحيانا التنظيف ومسح الغبار وتحضير القهوة، وترفضن البقاء بعد الدوام الرسمي”.

مبالغة كبيرة

يقول الباحث محمد العبد الله “سبق حملة الترحيل الأخيرة حملات أخرى، ولكنها لم تكن بنفس حدة هذه الحملة، ورغم ذلك لا يجب أن نعطي الموضوع أكثر من حقه بالنسبة لتأثيره. فهناك مبالغة كبيرة بتأثير العمالة السورية على الاقتصاد التركي، والقول بأنه سيكون هناك تداعيات وتأثير سلبي أمر مبالغ به، فهناك تأثير لكنه ليس بذلك الحجم الكبير”.

ويبين الباحث أن سوق العمل التركي حتى قبل قدوم السوريين، هو سوق يحتوي على عمالة غير رسمية بنسبة 70% تقريبا، أي أن السوريين أتوا إلى تركيا في سوق عمل مصنف دوليا على أنه يحتوي على نسبة مرتفعة جدا من العمالة غير الرسمية، لذلك كان من السهل على السوريين الدخول لهذا السوق. والحكومة التركية تعمدت ربما عدم فرض قوانين رادعة بما يخص عمالة السوريين حتى أصبح ينظر للعمالة السورية بأنها عمالة تم استغلالها من أصحاب الأعمال الأتراك، من حيث الأجور التي هي دون الحد الأدنى ، ومن حيث مقارنتها بأجور العمال الأتراك.

ويضيف” ربما تحاول الحكومة التركية حاليا عمل توازنات بين أصحاب المصالح في سوق العمل وبين قراراتها، إذ لم يكن هناك قرارات لتنظيم هذا السوق، ولتنظيم أعمال السوريين مع بدايات قدومهم إلى تركيا”.

أكثر القطاعات تأثرا

يعتقد الباحث العبد الله أن تأثير غياب العمالة السورية في الفترة القادمة على الاقتصاد التركي لن يكون كبيرا، بسبب الواقع الاقتصادي الصعب في تركيا وارتفاع نسبة التضخم ، وانعكاس ذلك على قطاعات التصنيع وغيرها من القطاعات، ووفقا لبعض الإحصائيات هناك أكثر من 120 ألف عامل في قطاع النسيج فقدوا أعمالهم خلال الفترة الأخيرة، وهذا ما سيؤثر بشكل كبير على سوق العمل التركي في الفترة القادمة.

ويضيف، “لو نظرنا لمعدل البطالة في تركيا لرأينا أنه يقترب من ال 25% بحسب الأرقام غير الرسمية ودون 10 % بحسب الأرقام الرسمية، وهناك عدد كبير من العمال الأتراك الذين تركوا وظائفهم في ظل هذه الفوضى وعدم تنظيم العمالة في سوق العمل، وفي حال ترحيل العمال السوريون هناك عمالة تركية كبيرة جدا جاهزة لتحل مكانها، وهذا سيجبر أصحاب المعامل لتقديم أجور تتناسب مع الحد الأدنى للأجور”.

غياب ملموس

ويبين الباحث أن غياب العمالة السورية سيكون ملموسا في قطاعات الإنشاءات وقطاع الزراعة، فهذه  القطاعات التي تحتاج لمشقة كبيرة، يعمل بها السوريون بشكل كبير وهناك حاجة لهذه العمالة في هذه القطاعات، لذلك ربما ستضطر الحكومة لإعادة توطين هؤلاء الأشخاص ليبقوا عاملين فيها.

كذلك سيكون التأثير الأكبر لغياب العمالة السورية في قطاع النسيج والملبوسات الجلدية والملبوسات الجاهزة، كون العمالة السورية يتركز معظمها في هذه القطاعات، وهي تقديرات من منظمات دولية، أما الجهات الرسمية التركية فلم تقدم أرقاما ونسبا صحيحة لهذه الإحصائيات.

كذلك شهدت الفترة الماضية نزوح نسبة جيدة من العمالة إلى مصر ودول الخليج العربي، بسبب المزاج الشعبي المعادي للأجانب والسوريين بشكل خاص، مما أثر بشكل كبير على المصانع، وأصبح المستثمر السوري أو صاحب المنشاة يشعر بعدم الراحة وعدم الاستقرار نتيجة لذلك، وأصبح هناك بحث من المستثمرين عن وجهة جديدة.

ويختم الباحث العبد الله بالقول، “نحن مقبلون على انتخابات بلدية مهمة جدا، والحكومة تجهز إمكانياتها لتؤثر على نتائج هذه الانتخابات، وربما لدى الحكومة برامج معينة تخص غياب العمالة في السوق التركي، وربما لديها خطط تخص العمالة التركية ومدى قدرتها على ملء الشواغر التي سيخلفها ترحيل السوريين من تركيا”.

ويضيف، “موضوع السوريين بشكل عام في تركيا أصبح موضوع استقطاب سياسي لكسب الناخب التركي، والسوريون مضطهدون منذ وجودهم في تركيا ، ولا وجود لجهة قادرة على رفع صوتهم والمدافعة عنهم، وأعتقد أن الأمر لن يستمر في هذا المنحى، وتحاول الحكومة التركية جاهدة تحييد ملف اللاجئين السوريين، وعدم إتاحة الفرصة للأحزاب المنافسة لاستغلال هذا الملف، والدفع لمعالجته بشكل جذري، ونخشى أن يكون هذا الحل الجذري فيه ظلم وتعسف للسوريين من حيث تضرر مصالحهم الاقتصادية ومعيشتهم واستقرارهم الاجتماعي والاقتصادي، ونحن نتحدث عن كتلة كبيرة من السكان، استقرت في تركيا، وأسست أعمالها ومصالحها وأبناؤها في المدارس، وليس سهلا عليها البحث عن وجهة جديدة بعد الترحيل”.

وتنص المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات.

“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة