الطلاب السوريون.. ضياع بين المناهج والبلدان

منصة عين

“لم يعد الوضع يحتمل في اسطنبول، كنت أعيش بقلق  دائم على أبنائي وزوجتي حتى قررت الانتقال بهم إلى لبنان، لم يكن قرارا سهلا، أن أُخرج أبنائي المولودين في تركيا من بيئة اعتادوا عليها، والانتقال بهم إلى بيئة جديدة ومدرسة جديدة ومنهج مختلف”، يقول السوري حاتم (40 عاما) والأب لطفلين بعمر ثماني وتسع سنوات في حديثه لمنصة عين.

 ويضيف، “بحثت لأطفالي عن العديد من المدارس، حتى وجدت مدرسة تفهمت الوضع الجديد، وتعهدت بمساعدة أبنائي على تخطي هذه المرحلة”.

يتنقل حاتم م. بين تركيا ولبنان لأهداف تجارية، ويحمل إقامة سارية المفعول في البلدين،  بينما تقيم عائلته بشكل مستقر في اسطنبول منذ أكثر من 9 سنوات.

حملات العنصرية والتضييق على السوريين أثرت بشكل كبير على حاتم وزوجته وطفليه، مما جعله يعيش بقلق دائم، حتى قرر إحضار عائلته والاستقرار في منطقة عرمون اللبنانية، وقام بتسجيل الأبناء في مدرسة خاصة في منطقة خلدة.

أشد ما يخشاه حاتم اليوم بحسب هو الفرق في المنهج بين تركيا ولبنان، ويقول، “الفرق كبير حتى أن أبنائي لا يتقنون اللغة العربية بشكل جيد، صحيح أنهم يتحدثون بها، ولكن لا يعرفون الكتابة والقراءة، كذلك الأمر بالنسبة للغة الانكليزية والفرنسية، بينما يتقنون التركية بطلاقة، ومن هنا بدأت مخاوفنا، فالعربية والانكليزية والفرنسية هي اللغات الرسمية المعتمدة في جميع مدارس لبنان”.

مع اقتراب بدء العام الدراسي في لبنان يحبس حاتم انفاسه مخافة معاناة الأبناء، ويضيف”

طمأنتني مديرة المدرسة أن أبنائي في سن صغير، ويمكنهم التعلم بسرعة، حتى لو بدأوا من الصفر، وعينت لهم مدرسا خصوصيا حتى يتمكنوا من التأقلم مع المنهج الجديد”.

لم يكن الوضع مشابها بالنسبة للسوري محمد قدور (50 عاما)، الذي عاد هو الآخر من تركيا إلى بيروت، وقام بتسجيل ابنائه في احدى المدارس الحكومية في منطقة عاليه، وهم في المرحلة المتوسطة والثانوية، لكنهم أصبحوا مضطرين لإعادة العام الدراسي بعد رسوبهم في امتحان الدخول لتقييم المستوى، “هناك فرق كبير في المناهج بين تركيا ولبنان”.

يقول محمد مضيفا، “ربما يضيع عام أو أعوام من حياة الطالب حتى يعوض النقص والفرق في المعلومات والتدريس، ويتأقلم مع المنهج الجديد والبلد الجديد، خاصة في المدارس الحكومية، فالأعداد كبيرة ولن يتمكن المدرس من التركيز على الطالب الضعيف أو الجديد، بينما في المدارس الخاصة يعطى الطالب مزيدا من الاهتمام، ولكن وتسجيلهم في مدرسة خاصة أمر يفوق قدرتي حاليا، فالمدرسة الحكومية مجانية للسوريين وهناك حوافز ومساعدات”.

المناهج لبنانية حصرا

بدورها ، تقول المعلمة ريما التي تقوم بتعليم الطلاب السوريين في فترة بعد الظهر في احدى المدارس الحكومية اللبنانية في بلدة بشامون في حديثها لمنصة عين، “يدرس الطلاب السوريون في لبنان في المدارس الحكومية مجانا، ويداومون في فترة بعد الظهر، بينما يداوم الطلاب اللبنانيون في الفترة الصباحية، أما بالنسبة للمناهج المستخدمة في التدريس في المدارس الحكومية فهي لبنانية بشكل كامل في الفترتين الصباحية والمسائية.

وتؤكد المعلمة أن التعليم مجاني وكذلك الكتب والقرطاسية والمواصلات للطلاب السوريين التي تتكفل بها الجهات المانحة، وتفرض الوزارة على المدارس الرسمية اللبنانية تحمل مسؤولية تعليم الطلاب اللبنانيين والسوريين على حد سواء.

وعن إمكانية دمج الطلاب اللبنانيين والسوريين في الفترة الصباحية تقول المعلمة، “كان هناك مقترح للدمج، وسرت شائعات عن إمكانية تطبيقه، إلا أن وزير التربية والتعليم في لبنان عباس الحلبي نفى هذه الشائعات مؤكدا ان اندماج الطلاب السوريين مع اللبنانيين غير ممكن”.

وتبين المدرسة أن هذا الدمج صعب لأن الأعداد كبيرة في الفترتين ، كذلك هناك ضعف في مستوى الالتزام بالنسبة للطلاب السوريين حيث يأتي الكثير من الطلاب دون كتب أو دفاتر وأقلام، كذلك هناك تسرب دراسي وغياب، ولا يوجد اهتمام من الأهالي بحل الواجبات وهذا يؤثر على مستوى الصف رغم وجود العديد من الطلبة السوريين المتفوقين والجديين والمتميزين.

ويستضيف لبنان ما يقرب من 504,253 من الأطفال والشباب اللاجئين السوريين المسجلين في سن الدراسة الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و24 عامًا (بحسب  تسجيل المفوضية العليا للاجئين في لبنان في كانون الأول/ديسمبر 2022..

معاناة في مصر أيضا!

ومن مصر تحدثنا السورية دنيا عن مشكلة الانتقال من تركيا وضياع الأبناء في المناهج، وتقول، “كان همنا في البداية الاستقرار وتأمين المنزل الذي سنستأجره وفرشه وتجهيزه، وأن يتمكن زوجي من إيجاد عمل، وبعدها بدأنا نبحث عن مدارس للتسجيل”.

وتضيف، “لاحقا تبين لي أن المدرسة لا تقوم بتسجيل الطالب إلا بوجود إقامة، ورغم تقديمنا على الاقامة إلا أنها تستغرق قرابة 3 أشهر، وتنتهي فترة التسجيل خلال هذه المدة ، فهكذا سيفوتهم التسجيل هذا العام، وسيخسرون عاما دراسيا من حياتهم على أمل أن يلتحقوا بالمدرسة في العام الدراسي المقبل”.

قامت دنيا بتسجيل أبنائها في إحدى المراكز السورية القريبة من مكان إقامتها في 6 أكتوبر  وهو تسجيل شكلي، إذ لن يتمكنوا من إجراء أي امتحان أو تقييم، ولكن يبقى الأفضل بالنسبة لهم لكونهم سيبقون في جو الدراسة، ويكون لديهم متسع من الوقت للتأقلم مع المنهج الجديد”.

مراكز سورية

تقول المعلمة نور العاملة في أحد المراكز السورية في القاهرة أن العديد من الطلاب السوريين مسجلين في المركز بالإضافة إلى المدارس الحكومية، “نعطي المنهج المصري وبعض المواد من المنهج السوري والتاريخ والجغرافية السورية، ويمتحن طلابنا في المدارس الحكومية المصرية في المواد التي يتضمنها المنهج المصري  حصرا”.

“أما سبب تقديمنا مواد من المنهاج السوري فهو رغبة منا وبتشجيع كبير من الأهالي بإبقاء الأطفال على اتصال ببيئتهم السورية وتاريخ بلادهم”.

وبينت المعلمة نور أن العديد من الطلاب السوريين من القادمين الجدد وجدوا صعوبات كبيرة لناحية المنهج المختلف ولناحية الاندماج بداية، وغالبيتهم لم يفهموا شرح المدرسة لاستغرابهم اللهجة المصرية، وكان الحل بالنسبة للأهالي أن يدرس الأبناء في المراكز السورية.

وعن الفرق بين المنهج التركي والمنهج المصري تقول هناك اختلاف كبير كذلك بين المنهج السوري والمصري، وتوضح أن هناك ضعف عام في الطلاب القادمين من تركيا لجهة اللغة العربية، وهذا ما يخلق مشكلة، إذ أن العديد من المواد تدرس بالعربية كالعلوم والرياضيات مثلا، ويجد الطلاب صعوبة في العمليات الحسابية في الأرقام والرموز المختلفة عن اللغة الأجنبية”.

وتنتشر العديد من مراكز التعليم السورية في مصر، وهي مرخصة من وزارة التربية للمرحلتين الاعدادية والمتوسطة، وهناك تعاون بين وزارة التربية والتعليم والمراكز السورية، كما يوجد تفاهم  بين المدارس الحكومية والمراكز السورية التي تعمل لتوفيرجو مناسب لتعليم الأطفال لسوريين.

أما في المرحلة الثانوية تقول المعلمة “لم تنل المراكز السورية أي ترخيص وعلى الطالب الحضور والدراسة في المدارس الحكومية”.

وتضيف المعلمة نور، “أحيانا يكون التسجيل على الورق فقط ولا يذهب الطلاب للمدرسة، وهناك بعض السوريين الذين يسجلون في المدارس الحكومية بهدف الحصول على قيد مدرسي. فيما يتابعون تعليمهم الفعلي في إحدى المدارس الخاصة أو في المنزل، او لا يأتون للمدرسة”.

صعوبات الاندماج وفهم اللهجة ودروس خصوصية

لا زال أبناء منال يعانون نفسيا نتيجة الانتقال من تركيا إلى مصر، ويجدون صعوبة في تقبل مدرستهم الجديدة ورغم تسجيلهم في مدرسة خاصة دولية إلا أن اللغة المصرية والانجليزية التي يتحدث بها الطلاب صعبت أمر اندماجهم كونهم لا يفهمون اللهجة المصرية أو الإنجليزية التي يتحدث بها بعض الأساتذة.

تقول منال “عدنا من إسطنبول منذ عام و استقرينا في منطقة الشيخ زايد في القاهرة، ليس لدينا أقارب هنا، ولكننا فضلنا القدوم إلى مصر هربا من موجة العنصرية، وافتتح زوجي عمله الخاص، وبينما تمكنا من الاستقرار وتأمين العمل والسكن، كانت  الازمة الكبرى تنتظر الأبناء، ظننا أن تسجيلهم في مدرسة دولية ستجعلهم يتخطون التغيير في المنهج الذي سيكون أسهل عليهم من المدارس العربية أو المصرية الحكومية، ولكن عانى أبنائي من صعوبات تعليمية كبيرة، حاولنا أن نتخطاها بالتعليم الخصوصي، وهذا ما أرهق الأبناء جدا، فالتعليم الخصوصي يشكل  ضغطا إضافيا على الطلاب وأسرهم .ففي المدرسة ساعات طويلة من الدراسة وكذلك في المنزل”.

وتبين منال أن بعض الأطفال فقدوا عامهم الدراسي بسبب صعوبات المنهج واختلافه ومنهم من تراجع مستواه بشكل كبير.

بدورها تقول ياسمين التي قدمت من تركيا الى مصر العام الماضي، أن أبناءها وجدوا صعوبات كبيرة في المنهاج المصري حين قدومهم إلى البلاد واستقرارهم في مدينة العبور، كذلك صعب عليهم فهم اللهجة المصرية والتعامل مع الأساتذة المصريين، فقمنا بتسجيلهم في مركز سوري قريب حتى تخطوا هذه المشكلة واعتادوا على المنهج وأصبحوا يفهمون اللهجة المصرية من تعاملنا اليومي مع المصريين.

وتضيف، “العام الماضي كما في الأعوام التي سبقته كان التسجيل في المدارس الحكومية المصرية مجانا، وكان الطالب السوري يعامل معاملة الطالب المصري، لهذا قمنا بتسجيلهم في المدرسة الحكومية بشكل صوري، وكانوا يحضرون الى المركز السوري للدراسة، وعند الامتحانات يمتحنون في المدرسة المصرية،  إلا أنه هذا العام تقرر ان يتم دفع مبلغ معين للمدارس الحكومية، ولم يعد التعليم مجاني، وهكذا سيكون علينا الدفع للمدرسة والمركز السوري، لذا سأتوقف عن ارسالهم للمركز، وأبقيهم في المدرسة الحكومية المصرية، أو أوقفهم عن الدراسة، فلدي 4 أبناء وعلي أن أختار أولوياتنا المعيشية”.

وبحسب المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان( 1 ) لكلِّ شخص حقٌّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا. ويكون التعليمُ الفنِّي والمهني متاحًا للعموم. ويكون التعليمُ العالي مُتاحًا للجميع تبعًا لكفاءتهم.

( 2 ) يجب أن يستهدف التعليمُ التنميةَ الكاملةَ لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يجب أن يعزِّز التفاهمَ والتسامحَ والصداقةَ بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيِّد الأنشطةَ التي تضطلع بها الأممُ المتحدةُ لحفظ السلام.

( 3 ) للآباء، على سبيل الأولوية، حقُّ اختيار نوع التعليم الذي يُعطى لأولادهم.

بالأرقام

لا توجد دراسة فعلية عن عديد السوريين الذين غادروا تركيا إلى مصر يقول الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد العبد الله في حديثه لمنصة عين، لكنه يبين أن هناك نسبة جيدة غادرت تركيا في الفترة الأخيرة إلى مصر موزعة بين أفراد ورجال أعمال ومستثمرين.

وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر يعيش المهاجرون السوريون في المناطق الحضرية، يتمركزون بشكل أساسي في القاهرة الكبرى ومحافظتي الإسكندرية ودمياط، وبموجب القرار الرئاسي الصادر في عام 2012 أصبح للاجئين السوريين الحق في الالتحاق بالمدارس الحكومية والحصول على الخدمات الصحية على قدم المساواة مع المواطنين المصريين. وعلاوة على ذلك؛ يستفيد السوريين أيضًامن كافة أشكال الدعم التي توفرها الدولة لمواطنيها في قطاعيْ المواصلات والغذاء. (https://www.unhcr.org)

وبينت دراسة  ميدانية أعدتها المجلة الاجتماعية للعلوم الاجتماعية والسلوكية حول الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للسوريين بمدينة السادس من أكتوبر أن العديد من السوريين قاموا بالتسجيل في بعض الجامعات المصرية، رغم أنهم يحملون شهادات جامعية بالفعل، وذلك ليحصلوا على الإقامة في مصر، كذلك أشارت الدراسة إلى صعوبة المناهج الدراسية، وتفشى ظاهرة الدروس الخصوصية، وتراجع دور المدرسة، وصعوبة استخراج الأوراق الرسمية.

 كما تحدثت الدراسة عن استياء السوريين من اقتران التعليم في مصر بالدروس الخصوصية في جميع المراحل التعليمية.

وعند سؤال العينة المستفتاة عما إذا كانت المدارس التي التحق بها السوريون مناسبة أم لا، فكانت النسبتان متساويتين (50%) لا و50% نعم.

أما بالنسبة للحالات التي اجابت أن المدارس التي التحق بها السوريون غير مناسبة، تقول الدراسة أن أهم الأسباب هي أنه لا يوجد شرح في المدرسة، بالرغم من وجود مدرسين أكفاء، والاعتماد الكلي يكون مُنصبًّا على الدروس الخصوصية باهظة الثمن، التي تُشكِّل عبئًا كبيرًا على الأسرة، حيث ذكرت إحدى الحالات “ما في شرح بالمدارس ويعتمدوا على الدروس أكتر شي وهي كتير مكلفة يعنى بدفع لإبنى حوالي 1000 جنيه شهريًّا بس للدروس الخصوصية”، كما أن طريقة التعامل مع الطلاب السوريين ليست الأفضل على الإطلاق. بالإضافة إلى أساليب العقاب المُتَّبعَة في المدارس المصرية التي تتمثل في ضرب التلاميذ المصريين والسوريين على حد سواء بالعصا دون مراعاة صغر سنهم.

وبحسب الدراسة استقبل المجتمع المصري نحو(134,952) في سبتمبر 2021، وبلغ عدد الذين تم تسجيلهم بالمفوضية لعام 2021 (5,653)؛ بينما بلغ عددهم في يناير 2022 (137.599)، وتم تسجيل (1.316) سوريًّا وذلك بحسب احصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر.

غير أن العدد الفعلي للسوريين في مصر أعلى بكثير، تقول الدراسة، لأن هذا الرقم لا يمثل سوى أولئك الذين سجلوا أنفسهم لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتبين الدراسة أيضا أن معظم السوريين الذين التقت بهم الباحثة أثناء العمل الميداني ليسوا مسجلين كلاجئين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وقد سجلوا إقامتهم لدى الدولة المصرية إما على أساس مدارس أو جامعات أبنائهم، أو على أساس تأشيرات سياحية مؤقتة.

يذكر أن وزارة التربية والتعليم الفني في مصر، أعلنت بدء لعام الدراسي الجديد 2023 / 2024، يوم السبت الموافق 30 سبتمبر 2023، ، لجميع المراحل التعليمية المختلفة للمدارس الحكومية، والرسمية، والخاصة.

وفي لبنان حدد وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي الثالث من شهر تشرين الأول موعدًا لبدء العام الدراسي للمدارس الرسمية، أما المدارس الخاصة فبعضها بدأ والبعض الآخر سيبدأ خلال أيام.

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة