نساء السويداء حاضرات بقوة في الحراك

منصة عين

من مظاهرات السويداء، المصدر: رويترز

سلطت المظاهرات الاخيرة في السويداء والتي ابتدأت منذ أكثر من ثلاثة أشهر الضوء على مشاركة نسائية لافتة، أبرزت الدور الهام الذي تلعبه النساء في تحقيق التحول الاجتماعي والسياسي، وفي تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في سوريا.

ومنذ بداية الحراك في السويداء حتى اليوم تستمر النساء في تصدر مشهد الاحتجاجات في حضورها وهتافاتها التي تعبر عن رفض الظلم والمطالبة بالتغيير بكل الطرق والوسائل الممكنة.

دفعا قويا للمظاهرات

تقول ميساء غاوي (31 عاما) احدى الناشطات في مظاهرات السويداء أن مشاركة المرأة قدمت دفعا قويا لاستمرار الحراك بهذا الزخم، فهي الأم التي رحل ابنها أو هاجر، والاخت التي اعتقل اخوها او زوجها، والابنة التي خسرت اباها، وهي نصف المجتمع، لذا من الطبيعي أن تكون حاضرة لتضفي زخما على المظاهرات.

 كما تعتبر غاوي أن حضور المرأة شجع العديد من المترددين على المشاركة “أكثر تأثير لمسناه هو الحضور القوي وعدم الخوف من التهديد، والوعي الشديد لأي خرق، ومعرفة الاتهامات المسبقة التي تحاك للمتظاهرين، والتجهز لها، وان نتحد وننادي لسوريا الحرة الموحدة”.

ليست شعارات فقط

“بمشاركتنا في الحراك أردنا أن يرى العالم أننا كنساء في السويداء لدينا الحضور والثقافة والحرية ودورنا فاعل في المجتمع، وأننا خرجنا لنطالب بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة ليس كشعارات فقط، بل لإيماننا الشديد بهذه القيم، فنحن نقوم بتطبيقها على أرض الواقع، ونسعى لتكون حقوق المرأة متساوية مع الرجل”، تقول المحامية لبنى بوخزام( ٢٨ عاما) مثنية على الدعم المجتمعي والثقافي والديني للمرأة في محافظة السويداء، الذي مكنها من كسر حاجز الخوف والمشاركة في الحراك الشعبي بقوة وفعالية “.

من جهتها تقول المعلمة بشرى الدبس، “تقف النساء بفخر في ساحة الكرامة تهتف للمطالبة بإسقاط النظام، وإطلاق سراح المعتقلين وتنفيذ القرار 2254، كما تعبّر بكافة الطرق سواء بالهتافات والأهازيج، أو باستخدام الرسم والفن والموسيقى والشعر والفلكلور الشعبي وسواها، وهذا ما ساهم بكسر الصورة النمطية الفكرية والاجتماعية التي تتعلق بالمرأة السورية بشكل عام، والمرأة في السويداء بشكل خاص، أردنا أن نبرز جانبين أولهما أن هناك تمكين فعلي للمرأة في مجتمع المحافظة، والثاني أنه من عاداتنا أن المرأة تقف إلى جانب الرجل في الأوقات الصعبة”.

تأثير واضح

“ارفع صوتك، واجه خوفك، حريتك بتهز جبال”، هي واحدة من الشعارات الكثيرة التي رددتها متظاهرات السويداء خلال الاحتجاجات.

تقول المدرسة سمر شقير، “إن وجود النساء في الاحتجاجات كان له أثر كبير في استمرارية التظاهرات وتزايد أعداد المحتجين في الساحات وتشجيع المترددين على الحضور”.

“كما أضفت النساء على المظاهرات طابعا حضاريا، وكانت رسالة للعالم أن الثورة سلمية وهي مشروع وطني متكامل، فهنا لا يوجد متشددين ولا قمعيين ولا إقصائيين، وهي اتهامات عادة ما تواجه بها السلطة أي تظاهرات من هذا النوع لقمعها وتخوين المشاركين فيها”.

وتضيف، “رغم أنها من أبسط وسائل حرية التعبير وهي حق تنص عليه  جميع القوانين والشرائع الدولية وحقوق الإنسان، إلا في سوريا إذ يجري تجريم المتظاهرين وسوق الاتهامات والتخوين”.

المرأة هنا ند  للرجل

يقول الدكتور عمر عبيد الناشط في حراك السويداء في حديثه لمنصة عين، أن المشاركة النوعية للنساء ليست شيئاً طارئاً أو غريباً على أهل الجبل عبر تاريخهم، فالمرأة هنا ندٌّ للرجل، لها رأيها وحضورها وتضحياتها منذ الثورة الكبرى عام 1925، ولا يمكن لأهل الجبل نسيان بستان شلغين، أو سعدى ملاعب، أو ضياء سعيد، أو خولة أبو عاصي، وكثيرات غيرهن، ولكل منهن قصة محفورة كنقش حجري في وجدان أهل السويداء”.

ويقتبس الدكتور أبيات من الشعر من كلمات الشاعر المجاهد جادالله سلام  التي يخاطب فيها صبايا الجبل إبان ثورة 1925 قائلا، “يا بنت يا عين الصقر..ريح النفَل بجيابها..لا تاخذين ال ما صبر.. يوم الخوي ينخى بها..”(ومعناها يا أيتها الصبية المعطرة ثيابها إياك أن تقبلي زوجا من لم يصمد عند اشتداد المعركة ).

ويضيف د. عبيد، “لطالما كانت السويداء قلعة من قلاع الوطنية السورية وقلعة من قلاع الثقافة السورية، وهي تقدم اليوم الوجه المشرق لتاريخها وثقافتها، عبر الموسيقى والحداء والأغاني والقصائد والسلمية وسواها عبر مكونات هذا المجتمع المنفتح الحر الحضاري الذي يحاول أن ينفض عن نفسه طبقات الغبار والقمع الذي حاول الطاغية وأبوه البائد أن يخفياها عن عموم أبناء وطنهم”.

النساء في السويداء قوة محورية ولها وزنها

وحول دور وأثر مشاركة النساء والفتيات في الثورة تقول الناشطة السياسية والنسوية نجاة مرشد في حديثها لمنصة عين أنه “في سوريا وقبل الثورة كان هناك العديد من النساء السياسيات البارزات التي قضى معظمهن وقتاً في سجون النظام على خلفيات سياسية وحزبية، ومع بداية الثورة في سورية، امتلكت النساء دورا مهما ومؤثرا جدا، وكانت تبرز أحداث وشخصيات في تلك المرحلة، وتُغيَب أحداث وشخصيات أخرى”.

وتشير مرشد إلى أن المرأة في سوريا لعبت دوراً مهماً في الحراك الثوري منذ البداية ،لكن بعض أطياف المعارضة في بعض الأماكن لم تعطها الاهتمام الكامل، فكان تهميش دور المرأة وتجاهله وتغيبه يرجع أحياناً لسبب قد يعود إلى طبيعة المجتمع المحافظ أو الذكورية، ولما تحكمه من عادات وتقاليد وأعراف مجتمعية متجذرة، جعلت من دور المرأة هامشياً وتم تغيبهن عن أماكن صنع القرار.

وتبين مرشد أنه خلال الثورة شاركت المرأة  مع المتظاهرين وفي تشييع جنازات الضحايا، وكتابة المنشورات المناهضة لنظام الأسد وتوزيعها، كما ساهمت في كافة نشاطات الحراك السلمي كالاعتصام وتنظيم الحملات كحملة (أوقفوا القتل) وغيرها، كما كان لها دور كبير في الإغاثة وجمع التبرعات وشراء الحاجات وتوزيعها على المتضررين.

ولم يقتصر نشاطها على هذا فقط، تقول مرشد ، بل دخلت الحراك السياسي وكان لها دور ووقفات مشرفة،  ككتابة مقالات وتغريدات سياسية وتوعوية  تتعلق بحقها ودورها السياسي، لأنها أدركت أن المجتمعات الديمقراطية لا تُبنى، ولا يتحقق السلام المستدام دون وجود النساء.

كما أظهرت نساء سورية شجاعة استثنائية في مواجهة الظلم والقمع والاستبداد والقتل والتهجير الممنهج، وبدأت تتشكل أجسام سياسية نسوية بارزة ومهمة، مثل (الحركة النسائية السياسية السورية) و(اللوبي النسوي السوري) وغيرها الكثير التي لعبت وتلعب دوراً أساسيا في السياسة السورية.

امتداد لثورة 2011

وتعتبر مرشد أن الحراك في السويداء هو امتداد للثورة السورية عام 2011 بمطالبها المحقة السياسية والمعيشية وشعاراتها الوطنية الشاملة للسوريين.

وتضيف، “السويداء قبل ثورة 2011 لها وضع اجتماعي مختلف عن بقية المجتمع السوري، فهي أقل تشدداً وأكثر مدنية وعلمانية، وابناؤها يتمتعون بنسبة عالية من العلم والثقافة، وللمرأة في السويداء دوراً مهماً ومرموقاً في الحياة الاجتماعية والدينية، ومن هنا كان لها هامش أوسع ودوراً ملموساً وقيادياً في الحراك، وهي تشارك في المظاهرات وكتابة اللافتات والشعارات والأغاني الوطنية، وتطالب بتنفيذ القرار 2254، وبرحيل الأسد الذي أوصل سورية إلى طريق مسدود”.

وتضيف، “أثبتت نساء السويداء أنهن لسن فقط جزءا لا يتجزأ من الحراك السوري، بل أنهن قوة محورية، لها وزنها ودورها في تحقيق التغيير، وتعكس قصصهن وجهودهن الشجاعة في تشكيل مستقبل سورية، ففي إحدى المظاهرات كتبن جملة “أنجبنا أولادنا لا أن تَقتُل أو تُقتل ولا أن تهاجر هروباً من الظلم والقهر وضيق العيش، وهذا يعكس وهنا دورهن كأمهات يملكن القدرة على التأثير، ويزرعن قيم الحرية في أبنائهن وبناتهن، ولا يمكن لمجتمع أن يكون حراً ولثورة أن تنتصر إن لم يكن للنساء دوراً أساسياً وفعالاً فيها”.

وتؤكد الناشطة السياسية مرشد أن حراك السويداء أعاد إحياء الثورة السورية التي بدأت عام 2011 بسلميتها، ومدنيتها وأعاد الملف السوري الى السطح بعد أن خبأ وجهه في خضم الأحداث الراهنة، وأعاد تسليط الضوء على القرار الدولي 2254 ولا يوجد حل لسورية دون تطبيقه ورحيل الأسد ونظامه ومحاسبتهم

كما أعاد الوجه السلمي والمدني والديمقراطي أمام المجتمع الدولي،  وعرى النظام من مقولة حامي الأقليات، فها هي الأقليات تنتفض في وجه الظلم والاستبداد الذي طال كل الشعب السوري، وأعطى حافزاً للنساء في كل المحافظات السورية لإعادة الحراك السلمي المدني، لكننا نعرف أنه لكل مكان خصوصيته الأمنية وعاداته الذكورية الأبوية. تبين مرشد.

وفي السياق ذاته تقول  الناشطة مايا رماح، “ثورتنا امتداد لثورة 2011 التي كان للمرأة حضور لافت في بداياتها فثورة 2011 أبرزت قدرات النساء السوريات اللواتي انتفضن وخرجن من عباءة التقاليد واخذن أدوارا جديدة، واسسن جمعيات على مستوى المجتمع المدني ونجحهن في إدارة مؤسسات وهيئات إغاثية وإعلامية وثقافية وإنسانية، وكان ذلك، دليلًا على أن المرأة السورية، ورغم الاضطهاد المجتمعي والسياسي، استطاعت أن تكون بنفس قدرة وقوة الرجل، فكسرت العديد من التابوهات الاجتماعية وبفضلهن ظهر مجتمع مدني نشيط  يحاول خلق وعي لدى الناس حول أهمية وفاعلية دور المرأة في المجتمعات المحلية”.

كذلك كان لمشاركة النساء في الثورة السورية أثر كبير على تشكل وعيها السياسي، تقول مايا، “سابقا كان الخوف من المشاركة في أي حديث سياسي حتى داخل المنزل يثير الرعب فللجدران اذان كما يقال، حتى جاءت الثورة التي كسرت حاجز الخوف ودفعت المرأة للانخراط في النقاش السياسي والحوار  حول القضايا الأساسية في البلاد وإنشاء المبادرات لتحسين الواقع،  وتقديم الدعم والتمكين لمختلف فئات المجتمع خاصة النساء وقد دفعنا لذلك ثمنا كبيرا من الشهداء والمغيبات، والمغيبين، والمعتقلات، والمعتقلين”.

وتوضح مايا في ختام حديثها مع منصة عين، “هذا التغيير الكبير الذي فرضته  الثورة، أدى الى كسر الصورة النمطية للمرأة السورية، وإلى  تطور وضعها في المجتمع والاعتراف بشرعية وجودها في كافة المجالات، رغم تعرضها لنكسة في بعض المجتمعات حيث سيطرة بعض التنظيمات المتشددة وتراجع دورها بشدة إلا أن المرأة السورية في  بلدان اللجوء استطاعت البروز والنجاح، واليوم تكمل المرأة في السويداء هذه المسيرة”.

حق أساسي من حقوق الإنسان

وتعتبر  حرية التعبير والحق بالتجمع السلمي حق أساسي من حقوق الإنسان كفلته المواثيق والمعاهدات  الدولية على النحو المنصوص عليه في المادتين 19 و20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وتنص المادة 19  من الإعلان العالمي لحقوق الانسان أنه “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.

كما تنص المادة 20 أنه  لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية.

“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة