في جرابلس، موظفات يُجبرن على ترك العمل لتربية أطفالهن

“كنت أعمل كمعلمة مدرسة لكن بعد أن جائني المولود الأول منذ حوالي سنتين اضطررت للتوقف عن العمل والتفرغ لتربيته، فالمهمة ليس سهلة وتحتاج مني التفرغ لتربية طفلي”، وتضيف علا،  وهي سيدة سورية (32 سنة) تعيش في مدينة جرابلس شمال سوريا، تقول خلال حديثنا معها إنها اتفقت مع زوجها على ذلك وتركت العمل بالمدرسة من أجل الطفل، بحكم أنه لا يوجد دور حضانة ترعى أطفالها أثناء انشغالها، كما تعيد ذلك إلى أسباب أخرى مثل ضرورة وجود الأم إلى جانب طفلها في عمره المبكر.

عدد كبير من النساء السوريات اضطررن إلى ترك أعمالهن والتفرغ لتربية الأطفال بسبب عدم وجود دور حضانة ترعى أطفالهن أثناء الذهاب للعمل، خاصة أن جميع الأعمال التي يمارسها الرجل لا يمكن أن تكون مناسبة للمرأة السورية وهذا يعود لعادات وتقاليد تحكم المجتمع.

وتعيد عدة نساء من السوريات اللواتي التقينا معهن سبب اضطرارهن إلى ترك العمل والجلوس في المنزل لعدم توفر دور حضانة مناسبة ترعى أطفالهن أثناء الذهاب إلى العمل، خاصة تلك العائلات التي لا يوجد لديها من أقارب تعتمد عليهم بذلك.

بحاجة لوقت إضافي

واقع تعيشه الكثير من النساء في سوريا بعد أن دخل مفهوم المشاركة بالعمل مع الزوج حديثاً وكسر بذلك عادات وتقاليد كانت في يوم ما تمنعها من العمل، لكن التزامات الحياة باتت أكبر ولا يتحملها الزوج لوحده، ورغم ذلك اضطررن بعضهن إلى ترك أعمالهن مقابل التفرغ لتربية الأطفال.

رغم أن التحديات الاقتصادية تفرض على النساء السوريات أن يدخلن في ميادين العمل إلا أن الواجبات الأسرية تفرض عليهن في ذات الوقت وجودهن إلى جانب أطفالهن في الوقت الذي لا يوجد فيه دور حضانة ترعى الأطفال أثناء ساعات العمل التي تقضيها النساء في سوريا.

ولا توجد إحصائيات دقيقة للنساء في سوريا لكن وردت في بعض الإحصاءات الحكومية أرقام تقريبية لعددهن، ففي أغسطس من العام الماضي، أعلنت اللجنة القضائية العليا لانتخابات الإدارة المحلية التابعة للنظام السوري، عن أرقام المواطنين السوريين الذين يحق لهم اختيار المرشحين لانتخابات الإدارة المحلية.

وقدرت أعداد النساء السوريات فوق سن الثامنة عشر واللواتي يحق لهن الانتخاب 8222701 مواطنة بالإضافة لـ 8126156 مواطناً، ويعتبر هذا الرقم الإحصائي أول رقم صادر عن حكومة النظام منذ ثماني سنوات.

ويعتبر الأجر الوسطي الذي تتقاضاه أي عاملة أو موظفة بسوريا غير كافٍ من أجل تغطية نفقات الروضات المأجورة الخاصة، والتي تتراوح أقساطها بين ما يعادل 400 دولار حتى 1000 دولار سنوياً.

مراكز التعليم خجولة

الآنسة ابتسام تعمل في مركز إحسان التابع للمجلس المحلي بجرابلس، تقول: “نحن بحاجة ماسة لمواصلات تؤمن خدمة التوصيل للأطفال بأمان خاصة إن كانوا قد جاؤوا للمدينة من القرى المحيطة بها”.

من جانبها، تقول الآنسة أميرة نجار من مركز التعليم الشعبي في جرابلس: “لا يوجد في جرابلس روضات نموذجية خاصة بأطفال الموظفات، ولكن هناك روضة واحدة خاصة بأطفال المعلمات والمتدربات لدينا بالمركز وهي تابعة للمجلس المحلي”.

وتؤكد، أن الروضة تحتاج للتطوير خاصة أنها غير نموذجية من حيث عدة جوانب، أما عن عدد المستفيدات من الروضة فيقدر بحوالي 30 سيدة.

أما في مدينة إعزاز شمال سوريا، التي يقطن فيها أكثر من ١٥٠ ألف نسمة، فإن عدد الروضات الخاصة يقدر بحوالي ١٦ روضة، وهي روضات خاصة ومدفوعة، أما الروضات التابعة للمجلس المحلي فهي ثلاث روضات فقط، وذلك بحسب السيد ياسر الحمدوش مدير المكتب الإعلامي في مجلس مدينة إعزاز، ويقدر عدد الطلاب في هذه الروضات ب ٥٥٠ طالب، وهو عدد فائض عن سعة الروضات، ويقول الحمدوش أن المدينة تحتاج لثماني روضات أخرى تتبع للمجلس لسد كافة احتياجاتها، فيما يصل عدد المعلمات التي تدرس هذا العدد الكبير من الطلاب فقط ل ٢٣ معلمة.

وفي عفرين، يوجد روضة واحدة نشطة ضمن المدينة كما هناك روضة أخرى للأطفال الأيتام تضاف إلى مدرسة خاصة بهم، وهذا ما لا يكفي احتياجات سكان المنطقة.

وحسب سعاد (27 سنة) وهي إحدى المقيمات في مدينة جرابلس شمال سوريا، فإنه في حال لدى المرأة وظيفة أو عمل ففي غالب الأحيان تستعين بأقاربها أو أهلها من أجل وضع الأطفال عندهم ريثما تنتهي من عملها.

وتكمل حديثها، هناك أيضاً نساء وجدن حلولاً بديلة لكنها غير كافية، مثل خلق فرص عمل لهن في المنزل كتعليم الأطفال أو ضم الخرز أو إعداد المواد الغذائية الموسمية وبيعها “المونة” لكن للأسف هذه الأعمال في غالب الأحيان مردودها قليل ولكنها مناسبة للنساء اللواتي يفضلن عدم ترك أطفالهن والذهاب للعمل.

حلول غير كافية

بحكم عدم وجود دور حضانة في شمال سوريا وإن وجدت فهي غير مثالية من حيث الخدمة وفق رأي سكان من المنطقة، إلا أن النساء السوريات اللواتي يعملن يستعن أحياناً بحلول رغم أنها غير كافية لكنها ضرورية بوقت يجدن أن ترك العمل سيسبب أزمة اقتصادية لهن كربات أسرة، بحسب لقاءات أجريناها مع عدد من النساء في منطقة جرابلس.

وتستعين بعض النساء بأقاربهن أو أهاليهن من أجل رعاية أطفالهن عند ذهابها للعمل، بينما تسعى بعضهن إلى خلق فرص عمل لهن في المنازل محققات بذلك وجودهن إلى جانب الأطفال وفي ذات الوقت استمرارهن في العمل.

وبحسب المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن “لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.

إحصائيات

أدى تدني مستوى المعيشة الاقتصادي بسوريا إلى دخول المرأة السورية للخوض في مهن جديدة لم تكن معتادة عليها مثل عمليات الحفر وتنظيف الشوارع وتعبيد الطرقات وأعمال البناء وتنظيف الأبنية وغيرها.

في المقابل، أدى لجوء السوريين إلى البلدان المجاورة لاضطرار النساء السورية للخوض في العمل بمختلف المجالات، وقدرت وزارة الداخلية التركية عام 2018 نسبة السوريات ضمن الفئة العاملة بحوالي 44% من إجمالي الفئة السورية العاملة بتركيا.

وأكدت دراسة اقتصادية لوكالة يونايتد برس إنترناشيونال، أن نسبة عمل السوريات في بلدان اللجوء أعلى بكثير عما كانت عليه في سوريا، فقبل عام 2011 كانت نسبة السوريات اللواتي يصنفن ضمن الفئة العاملة الإجمالية 13%، وهذا المعدل كان من ضمن الأقل بالعالم.

وأظهرت الدراسة الصادرة عام 2019، أن أكثر من ربع اللاجئات السوريات في تركيا ولبنان وأكثر من نصف ممن في الأردن، انضممن لقوة العمل، لكن أكثر المشاكل التي تواجه النساء السوريات هي ساعات العمل الطويلة وقلة الأجور والنقص في المواصلات الموثوقة والآمنة للعمل والخشية من التعرض للتحرش بأماكن العمل.

https://www.upi.com/Top_News/Voices/2019/02/19/As-refugees-Syrian-women-find-liberation-in-working/8281550580994/?ur3=1

تقول المجالس المحلية في الشمال السوري إنها تعمل على إيجاد الحلول اللازمة لمساعدة النساء للعودة لأعمالهن ورعاية أطفالهن في دور حضانة مخصصة لهن، وتبقى هذه الحلول خجولة ضمن الإمكانيات الحالية المتاحة لهذه المجالس، فهل تساعد هذه الحلول بعودة “المدرسة علا” لعملها في التدريس ورعاية أطفالها في دور حضانة مخصصة لهم؟

تم إنتاج هذه القصة الحقوقية بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR وصندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية.

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة