انفتاح خجول لتمثيل المرأة في الشمال السوري

“نتفق على أن دور المرأة ضعيف ليس فقط  في المجالس المحلية بل في كافة الهيئات الحكومية النشطة في الشمال السوري وهذا يعود بالتأكيد إلى الأعراف السائدة في مجتمعنا وهناك تقبل كبير لتغيير ذلك ولكن لا توجد المبادرات الكافية للعمل على تفعيل دور المرأة فيها”.

تتابع منال محمد وهي ناشطة سورية من مدينة الباب في ريف حلب، “يجب على الحكومة المؤقتة والمجالس المحلية والهيئات السياسية والمدنية المسؤولة عن إدارة المدن في الشمال السوري أن تطلق مبادرات لدعمنا وتمكيننا بالشكل المثالي، وأن يعطونا الحق في اتخاذ القرارات في الأمور المفصلية مثلنا مثل الرجل”.

خلال إعداد هذه المادة أجمع كل من التقينا بهم على أن حضور المرأة كان خجولاً وبعضهم اعتبر أن بعض النساء اللواتي يحضرن الاجتماعات والمؤتمرات تم تحويلهن لأدوات زينة معيدين الأسباب إلى العوامل الاجتماعية.

وبالرغم من ذلك، كان للنساء السوريات حضور لافت بالتزامن مع السنوات الأولى للثورة السورية بداية عام ٢٠١١ خلال الحراك السلمي والأعمال الإنسانية والمدنية التي بدأت تنشط في تلك الفترة، إلا أنه تراجع في ظل انتشار تيارات سياسية تحدّ من نشاط المرأة، وفق البعض منهم. 

كما حصلت العديد من النشاطات النسوية التي كسرت حاجز العادات والأعراف المنتشرة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في محاولة لتمكين دورها الذي كان غائباً لعقود سابقة وتفعيله في عدة مراكز حكومية وغير حكومية.

انفتاح خجول

رغم أن هناك محاولات لتنشيط دور النساء السوريات إلا أن هذه المحاولات اعتمدت على استيراد أفكار غير كافية لذلك، ومن أبرز هذه النشاطات مواضيع الشفافية وفض النزاعات وآليات اتخاذ القرار.

وتؤكد دراسة صدرت عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية   منتصف عام 2018  أن نسبة تمثيل المرأة ضعيفة جداً من خلال مسح قام به العاملون في المركز، وتتراوح نسبة تمثيل المرأة في هذه المناطق بين 0 إلى 5 سيدات على أعلى تقدير من أصل 33 عضواً  في كل جهة.

https://lh6.googleusercontent.com/W7WxL9QZbEIPlexwedDu5VCbevB5LZPu-b7YTPntpj7ql9hhI3Qd-hlcWeuCFgCL0BOd99HNxDt7zQRk8OXtTxQh-8x31tCwSZz0-R4GbtzGbWNYn68E31HvYlErzRcsq6d00tA

يوضح الشكل نتيجة المسح الذي أجراه مركز عمران عن نسبة تمثيل المجالس المحلية

وتضيف الدراسة، أن النساء ليس لهن دور في صناعة القرار المحلي وغالباً ما يكن في مكاتب المرأة والطفل التابعة للمجلس أو في المكاتب الملحقة التي لا يحق لها اتخاذ القرار في العديد من الأمور المفصلية.

صورة تحتوي على لقطة شاشة  تم إنشاء الوصف تلقائياً

وبحسب المسح الذي أجرته الدراسة نجد أن أكبر المعوقات لعمل المرأة تتركز بانعدام الأمن وقلة الفرص والنقص في الخبرات وكثرة مسؤوليات المرأة.

صورة تحتوي على لقطة شاشة  تم إنشاء الوصف تلقائياً

وكان هناك العديد من التجارب الناجحة لمشاريع نسائية كإنشاء جمعيات ومنظمات خاصة بدعم المرأة وفرق عمل نسائية متخصصة مثل فريق الدفاع المدني النسائي في إدلب، بالإضافة لجمعية نساء سوريا في ريف حلب وجمعية ريحانة الشام التي ركزت في عملها على الناحية التعليمية ومحو الأمية لدى النساء، إلا أن المجتمع لا يزال واقعاً في مشكلة عدم تقبل وجود المرأة كعنصر فعال كما الرجل تماماً في معظم مدن سورية، ولا زال البعض يعتبرها ضعيفة البنية في العمل مقارنة بالرجل.

مراكز أخرى عديدة تم إنشاؤها في الداخل السوري وخارج سوريا لتفعيل دور المرأة في شتى المجالات كان أهمها مركز تستقل النسائي الذي يعمل على تدريب المئات من الفتيات السوريات ضمن مشروعه وتأهيلهم لرفع صوتهم ودخولهم سوق العمل.

كما تشير بيانات منظمة “مواطنون من أجل سوريا” إلى أن ما يزيد عن 25% من المنظمات العاملة تستهدف النساء كفئة “مستضعفة” في المجتمع، وبالتالي فإن معظم العاملين فيها هم من النساء أيضًا، كونهم الأكثر قدرة على الخوض في الحياة الاجتماعية الخاصة والاحتكاك مع النساء والأطفال.

أما في المنظمات الأخرى، فتتوازى فرص المرأة بالتوظيف إلى جانب الرجل رغم غيابها عن المشاركة في القرارات القيادية والاستراتيجية بنسبة 88%، بحسب بحث صادر عن منظمة “أنا وهي” في آذار عام 2016.

السيدة زين الملاذي مديرة الأبحاث في وحدة المجالس المحلية (لاكو) ترى أن للمرأة كوتا للتمثيل و لكنها غير مطبقة على أرض الواقع، ” خاصة أن نشوء المجالس المحلية و تفعيل  دور المرأة فيها جاء بعد الثورة و في ظروف الحرب، هذا الظرف منع الكثير من النساء من المشاركة في أجهزة الحكم المحلي بسبب الصراع العسكري المستمر في المناطق التي نشأت فيها معظم المجالس المحلية، بعد صدور القانون ١٠٧،  كما أن المزاج الاجتماعي والمجتمعي حد من تطوير رغبة واستعداد النساء للمشاركة الفعالة لهم، والحالة العامة للمرأة السورية اليوم هي ظرف استثنائي تجعلني أحكم أنه ليس هناك عدالة في التمثيل، ولكن يجب أن نسعى كنساء لتغيير مزاج المجتمع وتغيير العادات والتقاليد لنفسح المجال لتطوير هذه المطالبات لتصبح اجتماعياً ممارسة عفوية، ونحن نؤمن أن صناعة الكفاءات تعطي المرأة أدوات أقوى لتنتزع الدور الذي تبحث عنه، ونعمل على إعطاء النساء أدواتهم المطلوبة بناء على رغباتهم، نحن في وحدة المجالس المحلية (اللاكو) مؤسسة مجتمع مدني وهي بيئة حاضنة ومشجعة وساعية لإفساح المجال للنساء للمشاركة في العمل، ولكن هناك ظروف محيطية تحد من هذه المشاركة، فهي شريكة في الأداء والمخرجات، وليست شريكة في صنع القرار”.

لا يقتصر على الرجال :

الآنسة سناء الجاسم عضو في المجلس المحلي لبلدة قباسين، وهي بذات الوقت رئيس اللجنة الفرعية لوحدة دعم وتمكين المرأة، تحدثت عن مشاركتها وعملها كامرأة في منطقتها: “بالنسبة لتمثيل النساء هنا فيما إذا كان عادلا أم لا، أود الإشارة إلى أنه جيد كبداية لوصول المرأة لمراكز فيها اتخاذ القرار، وأعتقد أن تفعيل دور المرأة يأتي ضمن حدودها، فكما هناك حدود للرجل يوجد حدود للمرأة وبشكل عادل، وجميع القوانين والنصوص العالمية تؤكد على دور مشاركة الفرد الفعالة في العمل والإدارة والمساهمة الفعالة، وهذا من حقنا كنساء يجب أن نرفع صوتنا ونسعى لتفعيله”.

” وبحسب المادة الخامسة والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن “لكلِّ شخص حقُّ المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إمَّا مباشرةً وإمَّا بواسطة ممثِّلين يُختارون في حرِّية”.

وتتابع، أنه “يوجد سيدة أخرى زميلتها بالعمل ويؤخذ باقتراحات السيدتين أثناء النقاشات حول اتخاذ القرار طالما أنها منطقية مؤكدة أن هذا الموضوع يعود بالنهاية لوعي رئاسة المجلس وسماعه لجميع الاقتراحات والآراء من الأعضاء سواء كانوا رجالاً أم نساءً”.

وعن موضوع الأعراف والتقاليد السائدة بالمنطقة وفيما إذا شكلت عائقاً على عملها أم لا؟ تجيب الجاسم: “أنا عندما أصبحت عضوة بالمجلس سمعت الكثير من الكلام المعيب من المحيط ولكن بعد عملي لحوالي سنة ونصف تمكنت من إثبات أن العمل لا يقتصر على الرجل فقط”.

وتكمل، “إن أكثر الأسباب التي تعيق تمكين دور المرأة وتمثيلها في المجتمع المحلي هو العادات والتقاليد وعدم الثقة بنجاح قرارات صادرة عن سيدة، خاصة أن رأي المجتمع الذكوري واسع وكذلك شيوخ الدين لهم رأي بذلك أيضاً، فمنهم من يؤيد ومنهم من يعارض عملنا للأسف، ولكن في الفترة الأخيرة بدأنا نشهد انفتاحاً مقبولاً نوعاً ما، وللأسف كل ذلك يرتبط بمن يسيطر على المنطقة التي نعيش فيها”.

السيد عمار طاووز رئيس فرع رابطة العلماء المسلمين في مدينة غازي عنتاب أكَّدَ على أن حق المرأة في العمل حق مشروع لها بضوابطه الفقهية والاجتماعية مفيداً بأنَّ “حقُّ المرأة في العمل يختلف عن تسخير المرأة للعمل، *فالأول حقٌّ مشروعٌ بضوابطه الفقهية والاجتماعية،* والثاني: لأجل تسخيرها إرواءً لنزعة بعض الرجال للخمول، أو تلبية لرغبات شهوانية غير أخلاقية، وهو مرفوض قطعاً، كما يجب مراعاة التخصص في العمل من خلال معيارين محددين، الأول هو *مراعاة التخصص* وهو أرقى ما توصل إليه الإنسان واعتمده في هذا العصر، وقوام التخصص هو الموهبة الفطرية التي جُبِل عليها الإنسان، والثاني هو، *الممارسة والتدريب والمران* الذي ينمي هذه الموهبة ويصقلها، وعلى ضوء هذين المعيارين أقول:

إن أهم مهنة يجب أن تُعنى بها كل امرأة أياً كان موقعها هي مهنة الأمومة ومؤازرة الرجل بأداء النصف الداخليّ لأعباء الحياة، وإنَّ إهمال تلك المهنة أو إلغاءها يؤدي لإلغاء المجتمع الإنسانيّ ولو بعد حين، ولنا في المجتمعات التي بدا الخلل الاجتماعي فيها أكبر عبرة”

عادات وتقاليد

هناك الكثير من القيود التي توضع أمام المرأة عندما تتقلد مناصب وظيفية جديدة من نوعها عليها ولعل أبرز هذه القيود العادات والتقاليد السائدة شمال سوريا.

مسؤول دائرة الإعلام بالمجلس المحلي لمدينة الباب في ريف حلب، “محمود نجار” أجاب على مدى تأثر تمثيل المرأة بالمجالس المحلية بموضوع الأعراف والتقاليد: “بالطبع الأعراف والتقاليد وكذلك الوضع الحالي أهم الأسباب لعدم المشاركة وتمثيل المرأة بالمجالس المحلية بالشكل المناسب”.

ويتابع، “مثلاً هنا تم التوافق من أجل مشاركة المرأة بأربعة مناصب ولكن للأسف اعتذرت اثنتان وقدمت الثالثة استقالتها مع العلم أننا في المجلس لم نقيد عملها بمنصب أو بمكتب معين وكان لها حرية الاختيار”.

ويكمل النجار، “بالنسبة لتوظيف النساء فلا يوجد أية حواجز، وتمثل النساء حوالي 30% من عدد المعلمين بحسب إحصائيات مديرية التربية في حلب وهي نسبة جيدة مقارنة بما كانت عليه سابقاً قبل عام ٢٠١١ في سوريا”.

ولفتت منال إلى أن مشاركة النساء في الشأن العام محدودة جداً، وعزت ذلك إلى العادات والتقاليد التي تحكم المجتمع السوري، وأكدت على إصرارها للعمل على الوصول لشكل منصف في عمل المرأة مع النساء، “كانوا يقولولنا إذا مرا بتفوت عالمخفر هاد شي معيب، نحنا بدنا نخلص من هالعادات والتقاليد اللي تربينا عليها”.

منال محمد وغيرها الكثير من النساء السوريات يأملون من المجالس المحلية نسبة تمثيل أكبر تحقق لهم الشعور بالمسؤولية التامة عن اتخاذ قرارات تساعدهم في إدارة شؤون بلدهم، فهل تستجيب المجالس المحلية لطلباتهم؟!

تم إنتاج هذه القصة الحقوقية بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR وصندوق الأمم المتحدة لدعم الديمقراطية.

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة