كبار السن من اللاجئين خارج حسابات الدعم لدى المنظمات

منصة عين

يحجم كبار السن من اللاجئين السوريين في تركيا في كثير من الأحيان عن مغادرة منازلهم، ما يجعلهم معزولين اجتماعيًا ومنفصلين جسديًا عن عائلاتهم، خاصة في حال معاناتهم من العجز أو الإعاقة الحركية أو الأمراض الذهنية، ما يفاقم من ضعفهم وحاجتهم إلى العناية الخاصة، أضف إلى ذلك عائق اللغة الذي يعزلهم بشكل أكبر عن محيطهم.

وفي ذات السياق، تغيب المشاريع الخاصة بكبار السن عن عدد كبير من المنظمات العاملة في الشأن السوري داخل تركيا.

وأثناء بحثنا وتواصلنا مع عدد كبير من المنظمات الإنسانية لاحظنا عدم اهتمام المنظمات المحلية والدولية في تركيا بهذه الفئة، وكأنها أصبحت فئة منسية، إذ تواصلنا مع عشر منظمات مقرها غازي عنتاب وهاتاي جنوب تركيا، وجميع هذه المنظمات صرحت أنه لا يوجد لديها برنامج خاص برعاية كبار السن، على الرغم من وجود عدد كبير من اللاجئين في هاتين المدينتين.

أحمد مستو مسؤول البرامج في منظمة رحمة الإنسانية، أشار في حديثه لمنصة عين إلى أن الداعمين أيضا يلعبون دوراً هاما في فرض ما سنقوم بتقديمه في المشاريع.

وأضاف مستو، “ولكن في نفس الوقت لا يمكننا نفي ان المنظمات مقصرة حقا بحق هذه الفئة، يجب أن يكون هناك برامج حقيقية تساعد كبار السن وتعمل على متابعتهم”.

أما المنظمات التي عملت على هذه البرامج، فهي برامج خجولة نسبياً ولا تلبي حاجات هؤلاء المسنين بشكل كامل.

منظمة الصحة العالمية أنشأت برنامجاً عام 2018 يوفر توفر الرعاية الطبية المنزلية للمقعدين وكبار السن من اللاجئين.

وقام برنامج منظمة الصحة العالمية بتدريب عدد من اللاجئين السوريين الشباب على العمل كموظفي رعاية منزلية لكبار السن والمعوقين في تركيا.

واستجابة لاحتياجات كل مريض، سيساعد موظفو الرعاية المنزلية السوريون المدربون من منظمة الصحة العالمية على ضمان بيئات آمنة لتجنب الحوادث في المنزل، وتعزيز الرعاية الذاتية للمرضى والتغذية المتوازنة، ودعم متابعة العلاجات، وضمان الرعاية المناسبة لهم، طريح الفراش لمنع المضاعفات.

ويوضح الدكتور بافيل أورسو، ممثل منظمة الصحة العالمية في تركيا، أنه “بالإضافة إلى التحديات اللغوية والثقافية التي يواجهها اللاجئون السوريون في الحصول على خدمات الرعاية الصحية، قد يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة أو الذين يعانون من نقص في الحركة أشكالًا أخرى من الإقصاء، يهدف هذا المشروع إلى إنشاء جسر بين الموظفين الصحيين في المراكز والمرضى في المنزل لتجنب هذا الاستبعاد.”

رزان واحدة من 350 لاجئًا سوريًا تدربت مع منظمة الصحة العالمية كعاملة في مجال الرعاية المنزلية لخدمة السوريين الأكبر سنًا والمعوقين في تركيا.

التزمت رزان بالتدريب الذي قدمته لها المنظمة، وعملت بعد ذلك كمشرفة متابعة لعدد من الحالات في مدينة غازي عنتاب.

تقول رزان، “لقد اعتدت عليهم، أصبحوا مثل أهلي، أرعاهم بشكل يومي وأتابع مشاكلهم وأساعدهم في كثير من أمورهم الحياتية، ولكن بعد توقف البرنامج، شعرت بالذنب لأنني لن أستطيع الإكمال معهم، عذبني ضميري أول فترة، ولكنني عدت إليهم، وأصبحوا مثل أمي وأبي، لا أتوقف عن زيارتهم ومتابعتهم، وهم كذلك فرحوا جدا بوجودي معهم، كانوا يشعرون أنهم وحيدون جدا هنا”.

تطبيق لرعاية كبار السن

في نهاية العام الفائت، وبمناسبة اليوم العالمي لكبار السن، أطلقت منظمة الصحة العالمية تطبيقاً رقمياً لتحسين رعاية كبار السنّ، ولمساعدة العاملين في القطاعين الصحي والاجتماعي على توفير رعاية أفضل لكبار السنّ.

ويتضمّن التطبيق الرقمي التفاعلي المبتكر، المعروف باسم تطبيق كتيِّب WHO ICOPE إرشادات عملية لمعالجة الحالات ذات الأولوية، بما في ذلك القيود الحركية، وسوء التغذية، وفقدان البصر والسمع، وتراجع القدرة على الإدراك، وأعراض الاكتئاب، والرعاية والدعم الاجتماعيين. 

وسوف يساعد هذا التطبيق، عند استخدامه بالاقتران مع مجموعة من الأدوات من بينها كتيّب جديد، في التعجيل بتدريب العاملين في القطاعين الصحي والاجتماعي على معالجة مختلف احتياجات كبار السنّ بشكل أفضل.

وكما ورد على لسان الدكتور أنشو بانيرجي، مدير إدارة صحة الأم والوليد والطفل والمراهق والشيخوخة بالمنظمة: “من الضروري أن يتم إدراج خدمات كبار السنّ في مجموعات الرعاية الصحية الشاملة، وفي الوقت ذاته، يلزم أن يتم التنسيق بشكل جيد بين الخدمات الصحية والاجتماعية لتوفير رعاية مثلى عند الحاجة. ومجموعة الأدوات الجديدة تدعم الشيخوخة الصحية من خلال نموذج منسق للرعاية يتمركز حول البشر”.

بالأرقام

أظهرت دراسة أجرتها جامعة أنقرة بالعاصمة التركية قبيل اليوم العالمي لكبار السن، الذي يصادف الأول من أكتوبر من كل عام، أن اللاجئين من كبار السن هم الأكثر تضررا من النزوح، وليس القصر غير المصحوبين بذويهم كما هو شائع.

الدراسة التي نشرتها مؤخرًا مجلة دراسات اللاجئين، شملت 324 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 60 عامًا وما فوق ويعيشون في أنقرة وإسطنبول. وشملت لاجئين، معظمهم من سوريا، وكذلك من إيران والعراق وأفغانستان.

ترسم نتائج الدراسة صورة قاتمة للاجئين المسنين دون اتخاذ تدابير مناسبة لحمايتهم، إذ كشفت أن الهجرة لها تأثير أعمق في كبار السن الذين لا يستطيعون لم شملهم مع أقرب أقربائهم في بلدانهم الأصلية ولديهم حواجز لغوية أكثر شدة مقارنة باللاجئين الشباب.

أكثر من نصف اللاجئين الذين تمت مقابلتهم من أجل الدراسة ينتمون إلى عائلات كبيرة وعندما لجأوا إلى تركيا، انقطعت روابطهم عن معظمهم، حيث مزقت النزاعات العائلات النازحة.

وكشفت الدراسة أيضا أن تركيا أنه مقارنة بالدول الأخرى، أفضل حالاً في رعاية اللاجئين ببيئتها الآمنة ونظامها الفعال وممارسات الرفاهية والثقافة والتقاليد التي تشبه بلد منشأ اللاجئين، فضلاً عن الأعمال الخيرية السخية من قبل تركيا.

لكنها لفتت إلى أن هذه العناصر التي تسهل اندماج اللاجئين المسنين تطغى عليها مشكلات، مثل حواجز الاتصال والفقر والتمييز والبطالة والصدمات الناجمة عن الصراعات في بلدانهم.

ومن النتائج المثيرة للدراسة أن اللاجئين يرون أنفسهم “عبئًا” على مضيفيهم. كما برزت الحنين إلى أيامهم الخوالي في بلدهم ومشكلات التكيف الثقافي من بين بعض التحديات التي يواجهونها، ويزداد الوضع سوءا بالنسبة إلى النساء.

معظم الذين تمت مقابلتهم كانوا نساء عازبات أو أرامل أثناء النزاعات في بلدانهم. كان لدى النساء المسنات حاجز لغوي أكبر مقارنة بالرجال، لكنهن فضلن البقاء في تركيا، خوفًا من مشكلات أكثر خطورة في البلدان الأخرى.

وبوجه عام قال أكثر من نصف اللاجئين المسنين إنهم لم يفكروا في البقاء في تركيا مدة طويلة، في حين قال أكثر من 15٪ إنهم على استعداد للذهاب إلى بلد آخر.

ويعاني المسنون أيضا أمراضا مزمنة، ف أكثر من نصف الذين شاركوا في الدراسة يعانون مرضا واحد اعلى الأقل.

وبين النساء، كان هشاشة العظام هو أكثر الأمراض شيوعًا، يليه التهاب المفاصل والاكتئاب وارتفاع ضغط الدم.

ومن بين كبار السن، كان ضعف السمع والشلل والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا.

وقالت البروفيسور أمينة أوزميتيه، أحد معدي الدراسة والتي ترأس أيضًا مركز جامعة أنقرة حول تنفيذ لبحوث ودراسات الشيخوخة (كذا) لوكالة الأناضول، إن اللاجئين المسنين سيشكلون قريبًا جزءًا كبيرًا من اللاجئين في العالم.

وأشارت إلى أن “شيخوخة” سكان العالم وزيادة عدد اللاجئين كعوامل وراء هذا الاتجاه المتوقع.

وأضافت أن العمر المتقدم هو الوقت الذي يرى فيه الناس انخفاضًا في دخلهم ودورهم الاجتماعي ووضعهم وصحتهم والتواصل مع عدد أقل من الناس، مشيرة إلى الحاجة إلى اندماجهم الاجتماعي.

وأوضحت أن “وجود الأقارب والقيم الثقافية والدينية المشتركة ونهج الناس في البلدان التي يعيشون فيها قد يعزز اندماجهم. كما أن الحصول على خدمات اجتماعية تلبي احتياجاتهم بشكل حصري يمكن أن يساعد أيضًا “.

ولفتت إلى أن ضرورة تقديم المزيد من البرامج التي تركز على كبار السن التي تقدمها المنظمات المحلية والدولية من برامج لغوية وتدريبية للاجئين.

وبحسب المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، “لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة، أو المرض، أو العجز، أو الترمل، أو الشيخوخة، أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.

دعم نفسي

المرشدة النفسية نائلة مهنّا، أشارت في حديث سابق مع منصة عين، إلى أهمية الدعم النفسي لهذه الفئة، وضرورة وضع برامج خاصة بهم تؤمن لهم الحياة الكريمة مثلهم مثل باقي اللاجئين.

تقول المرشدة، “يجب أن يكون هناك شخص ونيس في عائلة المسنين بشكل دائم، وإن لم يكن من أبنائهم أو أحفادهم، يمكن للمنظمات أن تعيّن أشخاصاً يقومون بالمتابعة الدورية لهم، ويجب أن يكونوا قادرين على تمكين كبار السن للتغلب على مخاوفهم والمصاعب التي يواجهونها، كما ويجب تأمين العناية الصحية القائمة على توعية كبار السن وأسرهم حول كيفية العناية بالأمراض المرتبطة بالعمر، وتقديم برامج دعم تستهدف الأسرة بكاملها للتوعية حول أهمية دمج المسنين اجتماعيا وتقديم العناية المطلوبة لهم على المستويين الصحي والنفسي”.

يبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا بحسب إحصائيات الحكومة التركية 3.6 مليون شخص، بينهم 3.1 % من كبار السن، منهم 1.6% من الإناث و1.5 % من الذكور، والكثير منهم يعيش القهر جراء فقدان شخص عزيز لهم، وبعضهم ما زال يعيش حرقة ابن أو قريب مفقود.

وأظهرت دراسة أجريت العام الماضي انتشار الاكتئاب بين اللاجئين السوريين في تركيا بنسبة 37%، وتوكد الدراسات أن كبار السن من اللاجئين يصابون بالاكتئاب أكثر من الأصغر سناً بثلاثة أضعاف، ولا يقتصر الأمر على الألم النفسي، بل يعاني كبار السن من اللاجئين العديد من المشكلات الصحية، بعضها مستجد وبعضها الآخر أمراض متعلقة بالعمر وتحتاج إلى متابعة طبية دائمة.

ووفقا لمنظمة مساعدة المُسنِّين الدولية HelpAge، هناك ما تُقَدَّر نسبته بـ 77% من اللاجئين السوريين، ممن تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، لديهم مشكلات خاصة ترتبط بالحركة، والتغذية، والرعاية الصحية، وأكثر من نصفهم يتحدثون عن معاناتهم من أشكال الضغوطات النفسية.

وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يمثل اللاجئون المسنون اليوم حوالي 8.5% من مجموع الأشخاص الذين تُعنى بهم المفوضية، وبحلول عام 2050، سيصبح عدد الأشخاص الذين تفوق أعمارهم 60 عاماً في العالم أكبر من عدد الأفراد الذين تقلّ أعمارهم عن 12 عاماً.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان.

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة