منصة عين
تغيرت حياة اللاجئين السوريين في تركيا وتبدلت أدوار العائلات، وأثر اللجوء والخطابات العنصرية في زيادة التفكك الأسري، وتضاعف الحمل الملقى على كاهل النساء مع غياب المعيل واضطراره لمغادرة عمله أو مغادرة تركيا بحثا عن مورد جديد يؤمن له ولعائلته حياة كريمة.
راما خشروم، أم لثلاثة أبناء مقيمة في مدينة كلس على الحدود التركية السورية، غادر روجها عن طريق البحر ووصل إلى ألمانيا منذ أربعة أشهر، ولا زالت راما وأطفالها ينتظرون الحصول على لم الشمل عن طريق زوجها، والذي عادة يستغرق أكثر من عام للحصول عليه.
تتحمل راما اليوم مسؤولية إعالة أطفالها ونفسها، فزوجها استدان المبلغ الذي ذهب من خلاله إلى أوربا.
واليوم تعمل راما في مشغل للخياطة، وتقول إنها تعاني أحيانا من بعض المواقف العنصرية من البعض، التي جعلت حياتها أصعب بشكل كبير مع غياب زوجها.
وتضيف راما، “عندما كان زوجي هنا كنت أعيش براحة أكبر، ولم يكن أحد يتجرأ أن يتعرض لي، إذ إن المدينة التي نعيش فيها ذات أغلبية سورية، كونها على الحدود مع سوريا، وكنت أشعر أنني في بلدي ومكاني، إذ كان زوجي يصد أي أحد يتعرض لنا بموقف عنصري، أما اليوم فأنا لست رجل ولا أستطيع الدفاع عن نفسي كما كان يفعل هو”.
وتؤكد راما أنها لا ترغب أن يعني كلامها أن هناك تعميم على موضوع العنصرية، وتوضح، “نعم هناك بعض المواقف العنصرية، ولكن في ذات الوقت هناك أشخاص أتراك يشعروننا من بعض مواقفهم بأننا في بلدنا، ولا نعاني من الغربة، ليست كل أصابعنا مثل بعضها، هناك الجيد وهناك السيء”.
أما أم أحمد المصري وهي لاجئة سورية مقيمة في مدينة غازي عنتاب، تقول في حديثها لمنصة عين أنها أصبحت في حيرة من أمرها في العودة إلى سوريا أو البقاء في تركيا، إذ إنها لم تستطع لغاية الآن تثبيت عنوانها بسبب القوانين الشديدة التي تم فرضها مؤخرا.
وتضيف أم أحمد أن لديها تخوف من الذهاب للسوق والعمل، لأنها تعرضت مسبقا لبعض المواقف العنصرية التي جعلتها تتخوف من الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى.
“النساء أكثر حساسية”
تقول ماجدة الشيخ علي 29 عاما، وهي لاجئة سورية تعيش في مدينة إسطنبول، إن “النساء السوريات أكثر حساسية وتخوفا من خطاب الكراهية، لأنهن ضعيفات وغير معتادات على الدفاع عن أنفسهن أو المواجهة، خاصة من ينتمين إلى المدن والقرى المحافِظة داخل سوريا”.
وتضيف ماجدة، “خوفنا كبير من الرد على أي إساءة في العمل أو الشارع، لعدم معرفتنا بالقوانين، وهل يوجد قانون رادع لمثل هذه التصرفات، وما تبعات الرد على الإساءة بالمثل، لهذا أنا شخصيا أصمت وأتجاهل”.
وتعتبر ماجدة أن معاناة النساء من الاعتداءات العنصرية “أكبر لأن المرأة من الصعب أن تقوم بحماية نفسها في حال تعرضت لموقف عنصري”، مشيرة إلى وجود “قلق دائم من أن يتعرض أحد أفراد العائلة للتصادم مع الأتراك وتكون النتيجة الترحيل أو الهجرة وتبقى دون سند أو معيل”.
التحدث بالعربية قد يمثل خطورة
“أتجنب تفقد هاتفي المحمول طوال الطريق”، تقول فرح، وهي لاجئة سورية تعيش في تركيا منذ سنوات، متحدثة عن الصعوبات التي تواجهها بشكل يومي مؤخرا.
وتضيف فرح، “أخشى تعرضي للمضايقات إن رأى أحدهم اللغة العربية على هاتفي أو سمعني أتحدث بالعربية لأقربائي مثلا، فهناك بعض الأشخاص “الحشورين” الذين يبدؤون بسؤالك عن أصلك وعن معلومات شخصية كثيرة في حال سمعوك تتحدث باللغة العربية، وكان لهم حق علينا بمعرفة تفاصيل حياتنا، مثل سؤالهم كيف أتيت إلى هنا، ولماذا لا تعود لبلدك، وكيف اشتريت منزل في تركيا، ومنهم من يقول لك أنه لم يشتر بيت وهو من أهل البلد، فكيف اشترينا نحن”.
ويعمل المحامي التركي فرقان طوبجو، وهو محامي تركي في إسطنبول، على متابعة جرائم الكراهية بحق غير الأتراك، ويقول المحامي أنه يتابع قضايا عديدة خصوصا تجاه اللاجئين السوريين، “على سبيل المثال، هناك من تم التعدي عليه وطعنه في مكان عام فقط لأنه يتحدث اللغة العربية”، مشيرا إلى أن الطعن والخطف والتعذيب هي أشكال أخرى من جرائم الكراهية التي يعاني منها السوريون.
في المجتمع المدني والقانون
تقول الناشطة النسوية والسياسية السورية نجاة مرشد، إن “خطاب الكراهية الذي تصاعد مؤخرا في تركيا انعكس على المرأة السورية اللاجئة بشكل مضاعف كونها الحلقة الأضعف، بغياب المعيل والمسؤولة عن نفسها وأطفالها ببلد اللجوء، إذا كانت تحت الحماية المؤقتة، حيث لا حقوق لها، فعدم وضوح القوانين التركية وصعوبة فهمها، يحدّ من تحركها وإيجاد عمل يحفظ لها كرامتها”.
وتضيف أنه وبالرغم من أن منظمات المجتمع المدني تساعد المرأة السورية بدورات توعوية ودعم نفسي وتمكين، لتأهيلها مهنياً من أجل إقامة مشاريع صغيرة، إلا أنه بغياب القوانين لحمايتها وقلة فرص العمل وصعوبة الإجراءات القانونية، تبقى الاستفادة قليلة جداً.
وتدعو بدورها لإيجاد مكاتب مرخصة ومعتمدة للاستشارات التوعية القانونية والاقتصادية، مطالبةً الإعلام التركي والسوري بتغيير الأفكار المغلوطة حول الوجود السوري في تركيا.
أما الناشط الحقوقي طه الغازي، قال في حديث سابق له مع منصة عين، أن “العاملات أو صاحبات المهن من اللاجئات السوريات، تأثروا بخطاب الكراهية والتمييز العنصري، وهذا التأثر أهم مكون من مكوناته هو طبيعة لباس المرأة السورية التي تلفت النظر، لذلك المرأة السورية أحجمت عن التواجد في ميادين كثيرة”، بحسب الناشط الحقوقي.
ويضيف، “طبعا نسبة الاعتداء على النساء بشكل عنصري، قليلة جدا مقارنة بالرجال، لكن في ذات الوقت إن التخوف من الاعتداءات العنصرية لدى النساء أكبر بكثير من التخوف لدى الرجال، الأمر تمثل لدى النساء العاملات في الورشات وأماكن العمل بترك عدد كبير منهن خلال الأشهر الماضية لأعمالهن، مما أدى لحدوث أعباء مالية لدى الأسر السورية، إذ أصبح الأمر قائم على الأب أكثر من ذي قبل”.
ويضيف، “اليوم طريقة تعاطي المنظمات ذات الشأن بحقوق المرأة، لم تغيّر وتحدّث طريقة تعاطيها مع حقوق المرأة اللاجئة في تركيا، الفرضية نفسها منذ 2011 حتى 2022، معظم المنظمات لا زالت تهتم بموضوع الدعم النفسي لصدمة ما بعد الحرب، اليوم مر علينا 11 عام، يعني الطفلة التي كان عمرها 11 عام، أصبح عمرها 22 عاما، يعني أصبحت أم، ولا زالت المنظمات تنظر إلى هذه الأم على أنها طفلة في عام 2011، وهذا أكبر خطأ لدى المنظمات”.
ويشير الناشط طه الغازي إلى أن دور الناشطين والحقوقيين يتمثل في اعتبار أنه دائما في أزمات ما بعد الحروب، أكثر الفئات التي تفقد حقوقها هم الأطفال والنساء.
ويقول، “للأسف الشديد، اليوم المنظمات إلى الآن لا يوجد لديها برامج فعلية تهتم بهذا الجانب، ويتركز عملهم في حالات البحث عن حلول للمشاكل الإدارية، مثل الحماية المؤقتة وما شابه ذلك، ولكن هناك أمور وقضايا تتعلق بالمرأة اللاجئة سواء كانت عاملة في ميدان العمل أو استغلالها، أضف إلى ذلك حالات مجتمعية مترافقة مع هذا الموضوع، وهناك قسم من السوريات في أماكن العمل نتيجة لظروفهم القاهرة رضوا بالزواج من رب عملهم، ولم يكن الزوج يقوم بواجبات الزوج، مما أدى لاستغلالها”.
وتنص المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أنه “لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته، ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات”.
“المشاعر تغيرت”
تقول إيما سينكلير ويب، مديرة مكتب هيومان رايتس ووتش في تركيا، إن “المشاعر تجاه السوريين بدأت تتغير بشكل حاد منذ (أحداث أنقرة) في آب عام 2021، عندما قُتل مواطن تركي على يد لاجيء سوري طعنا، وأسفر ذلك عن أعمال عنف واسعة استهدفت ممتلكات السوريين هناك وخاصة في حي ألتن داغ”.
وفي أعقاب الحادث، نشر المعارض أوميت أوزداغ تغريدة قال فيها، “حان وقت الرحيل”.
وتشير ويب إلى أن، “الاستخدام السياسي للحادث للضغط على الحكومة مع اقتراب الانتخابات أجج مشاعر الكراهية تجاه السوريين هناك بشكل عام، وأن المعارضة المعتدلة لم تبعد نفسها عما يثار بخصوص إنهاء وجود السوريين في البلاد”.
وفي آب الفائت، تداولت وسائل إعلام تركية تصريحاً لوزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية، دريا يانيك، عندما سُئلت عن مصير اللاجئين السوريين، أنه “بعد عام 2023 لن يبقى أي من هؤلاء”، في حال تمكنت أنقرة من “منع إقامة دولة إرهابية في عمليتها العابرة للحدود”، في إشارة إلى العملية العسكرية المرتقبة ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.