منصة عين
إعداد: نازك تلحوق
جهدت تركيا منذ العام 2014 لتوفير الخدمات الصحية المجانية لجميع اللاجئين السوريين المسجلين على أراضيها، والبالغ عددهم 3.6 مليون لاجىء وفق قانون الحماية المؤقتة، ووضعت العديد من القوانين التي تسمح لهم بالاستفادة من وحدات الرعاية الطارئة ومراكز الرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثة في 81 مقاطعة بتركيا مجانًا، إلا أن فعالية خدمات الرعاية الصحية للاجئين تبقى محدودة بسبب العديد من العوائق والحواجز والقيود القانونية، فبالرغم من منح اللاجئين السوريين الحق بالحصول إلى خدمات الرعاية الصحية المجانية، إلا أنهم واجهوا صعوبات في فهم هذه الخدمات والوصول إليها.
عوائق بالجملة
عانت عائلة أبو سليمان المقيمة في مدينة أورفة جنوب تركيا من مصاعب جمّة في الوصول إلى الخدمات الصحية العلاجية، تقول الزوجة سلوى، “بعد شهرين من وصولي إلى تركيا تعرضت لوعكة صحية نتج عنها آلاماً شديدة في البطن، وتم نقلي إلى قسم الطوارئ في إحدى المستشفيات، هناك لم أتمكن من التواصل مع الطبيبة وشرح الحالة، “كنت أعيد الوصف وأكرر بضعة كلمات تعلمتها بلغة تركية ركيكة، وأحاول إيصال الفكرة بلغة الإشارة، وحين تسأل كنت أجيبها بأني لا أفهم عليها، حتى بدأت تشعر بالانزعاج والغضب نتيجة عدم فهمي عليها”، وتتابع سلوى، “عندما شعرت أنها غضبت بدأت أجيبها بنعم على جميع أسئلتها دون أن أفهم ما تقوله، وانتهينا بتشخيص مختلف وأدوية لم أتناولها لأنني كنت خائفة من سوء التشخيص، كوني لم أشرح للطبيبة الحالة ولست متأكدة من العلاج المقدم”. وأضافت “ربما يكون علاجها صحيحاً ولكني لم أرغب بالمجازفة، عدت إلى المنزل وتناولت أدوية عشبية واستمر الألم لعدة أيام.
بدوره، تحدث أبو سليمان عن معاناته من مرض السكري والضغط وصعوبة الوصول للخدمات بسبب عائق تكلفة المواصلات وبعد المسافة، “حين تسوء الحالة كثيراً أقصد العيادة للتشخيص، أما أن اقوم بالفحص والمتابعة الدورية فهذا أمر لا أقدر عليه، بسبب التكاليف المادية التي يمكن أن تنتج عن ذلك، لذلك أقوم بعلاج نفسي بنفسي وبحسب استشارة الصيدلاني، ومثلي عدد كبير من اللاجئين في تركيا”.
وأشار أبو سليمان إلى صعوبة الحصول على بعض الأدوية من الصيدليات غير المتعاقدة مع دائرة الهجرة بسبب التكلفة، لكنه يضطر للدفع أحياناً في حال عدم توفر المواصلات للذهاب إلى الصيدليات المتعاقدة، وهذا يشكل عبئا عليه كونه عامل بسيط، ويضيف، “هناك أدوية لا يتم تغطيتها بشكل كامل، بل يجب تغطية نسبة معينة منها، والعديد من اللاجئين ممن هم تحت خط الفقر لا يمكنهم دفع هذه النسبة من التكلفة ولو كانت 20% من ثمن الدواء”.
عوائق ثقافية
بدورها تقول نور زوجة الابن الأكبر لأبي سليمان، أنها قصدت عيادة أمراض النساء وفرحت لتوفر المترجمين فيها، وأرادت الحصول على مترجم فتمت الاستعانة بأحد الأشخاص ثنائيي اللغة، لكن وجود شخص غريب يطلّع على مشكلتها الصحية جعلها تخاف من السرية وانتهاك الخصوصية، فتحدثت للطبيبة عن مشكلة أخرى.
وفي السياق عينه تقول دلال الممرضة في إحدى المشافي، “إن العوائق الاجتماعية والثقافية تمنع اللاجئات السوريات من الحديث عن مشكلاتهن الصحية لاعتقادهن أن هذا ينتهك الخصوصية، وإصرارهن على طبيبات نساء ومترجمات ورفض العلاج في حال عدم توفر نساء”.
من جهة أخرى ذكرت دينيز ماردين، وهي طبيبة عامة أعدت أطروحة الدكتوراه عن المشاكل التي يواجهها اللاجئون للوصول إلى الرعاية الصحية في مدينتي اسطنبول وإسكي شهير، أنه في الحالات التي يكون اللاجئون قادرين على الحصول على موعد مع الأخصائي، فإنهم في كثير من الأحيان غير راضين عن التشخيص الذي يتلقونه بسبب الاختلاف في ثقافة المريض، ويشكو العديد من اللاجئين أنهم غير قادرين على فهم التشخيص بشكل صحيح، وفي بعض الحالات لا يتابع المرضى العلاج مع نفس الطبيب أو لا يتبعون العلاج الموصى به، وهكذا تؤثر الاختلافات في ثقافة المريض على معرفة المرضى الصحية وثقتهم بالأطباء والتزامهم بالعلاج الطبي الموصوف.
المصدر: ورشة عمل وصول اللاجئين السوريين للرعاية الصحية
https://ipc.sabanciuniv.edu/Content/Images/CKeditorImages/20200316-15033399.pdf
محو الأمية الصحية ومعرفة نظام الرعاية
يواجه اللاجئون مشاكل كبيرة في استخدام خدمات الرعاية الصحية أو الوصول إلى معلومات حول خدمات الرعاية الصحية، بسبب الاختلافات في ثقافة المرضى مقارنة بسوريا، والعمليات الإدارية والحواجز اللغوية، وتتضمن المعضلات الرئيسية في استخدام نظام مواعيد المشافي للحصول على موعد، والتحديات التي يواجهها اللاجئون في توجيه أنفسهم في بيروقراطية نظام المشافي التركية، ويصبح هذا الأمر أكثر تعقيداً في الحالات التي يحتاج اللاجئون فيها إلى تقرير طبي لتحديد جراحة أو إعاقة أو علاج ضروري معين .
وفي ورشة عمل ضمت أطباء ومسؤولي رعاية ومنظمات غير حكومية سورية وتركية وأكاديميين أقيمت في مركز اسطنبول للسياسات، أشار الموجودون إلى أبرز العوائق التي تواجهها اللاجئات السوريات عند محاولتهن الوصول إلى الرعاية الصحية، كما هو موضّح في الإنفو غرافيك التالي.
كما ذكرت دراسة أعدها موقع اندكيترز بالتعاون مع منظومة وطن معوقات وصول اللاجئات السوريات إلى الخدمات الصحية في تركيا.
لم أذهب للعلاج
لا يمكن للسوريين الذين يعيشون في المناطق الحضرية الحصول على الرعاية الصحية إلا في المدينة أو المحافظة التي سجلوا فيها، بغض النظر عن حالتهم الصحية، باستثناء الحالات الطارئة، يجب على السوريين تحديد موعد عبر الإنترنت أو الذهاب مباشرة إلى مقدم الرعاية الصحية الأولية لتحديد موعد، لا يُسمح للسوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقت بالتعامل مع الرعاية الثانوية والثالثية دون إحالة من مقدم الرعاية الأولية.
تقول ليال، لاجئة سورية في مدينة غازي عنتاب، “اضطررت للعمل في محافظة مختلفة عن المحافظة التي سجلت فيها، وفي أثناء عودتي من العمل، تعرضت لحادث، ولكني لم أذهب لطلب العناية الطبية خوفا من المساءلة، وحين تضاعف الألم بعد يومين، عدت إلى مكان التسجيل، وراجعت الأخصائيين، ونلت العلاج اللازم”.
حاولوا ثم استسلموا!
تقول أوزليم تشولاك منسقة الحماية في جمعية YUVA التي تقدم للاجئين السوريين الدعم للوصول إلى الخدمات الأساسية والوصول إلى التعليم وتنمية المهارات، “لا ينبغي أن نجمل الموضوع على أن اللاجئين السوريين ليس لديهم معرفة بنظام ا لرعاية الصحية بل هم لا يعرفون كيف يوجهون أنفسهم وإلى أين يذهبون، ولا يعرفون كيفية الوصول إلى الخدمة حين يذهبون إلى المستشفى، فمن الممكن أن هذا الشخص قد ذهب للمشفى مرة واحدة من قبل، فليس الأمر أنهم لم يحاولوا الذهاب للمشفى بل أنهم قد يذهبون إلى هناك ويفقدون طريقهم ولا يعرفون ما يفعلون، حاولوا مرة أو مرتين ثم استسلموا وفقدوا الأمل بالوصول إلى الخدمة أو العلاج”.
واختصرت جمال تجربتها مع نظام المشافي بالقول “جربت الذهاب للمشافي مرات عدة لكني لم أفهم طريقة طلب العلاج، كنت أذهب وأحاول، ولكن دون جدوى، حتى أصبحت أقصد مراكز صحة المهاجرين التي يتواجد فيها أطباء سوريون ومترجمون، أو أقصد عيادات في جمعيات خيرية”
يوجد في تركيا 154 مركزًا صحيًا للمهاجرين تقدم خدمات في 27 مقاطعة وتدير 527 وحدة صحية للمهاجرين، الهدف من هذه المراكز توفير جودة أفضل للرعاية وتقليل العبء على المستشفيات التي تديرها الدولة، توفر هذه المراكز خدمات الرعاية الصحية الأولية كما يستخدم أطباء أو مترجمين سوريين لتسهيل تقديم الخدمات الصحية.
خمس تحديات
في دراسة بحثية أجرتها كلية طب جامعة ييل YALE في الولايات المتحدة تم تحديد خمس تحديات يواجهها اللاجئون السوريون في تركيا في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وهي: لوائح إجراءات التسجيل، والتنقل في نظام صحي جديد، واللغة، والخوف من العلاج الضار بسبب حاجز اللغة، والتكلفة.
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/31349639/
بالأرقام
49.6٪ عدد النساء اللواتي تمت مقابلتهن لم يكن يعرفن عن حقوق الرعاية الصحية المجانية للسوريين.
سعى 58.6٪ من المشاركين للحصول على الرعاية الصحية في المقام الأول من خلال المستشفيات الحكومية ومراكز الرعاية الصحية الأولية.
حوالي ثلث اللاجئين يستطيعون الوصول إلى الخدمات الصحية للأمراض المزمنة
أكثر من 50% من اللاجئين السوريين في تركيا لديهم 3 من 5 عوامل خطر للإصابة بمرض مزمن.
المصدر: دراسة بكلية طب جامعة ييل –الولايات المتحدة
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/29629476/
إن الاستجابة الشاملة لاحتياجات اللاجئين تشمل التنسيق والتواصل على المدى الطويل وتكاتف جهود المنظمات الحكومية وغير الحكومية للعمل سويا على ازالة العوائق وتحديات الثقافة واللغة والمعرفة بين اللاجئات واللاجئين السوريين، والعمل على تبادل المعرفة والخبرات بين مختلف أصحاب المصلحة الناشطين في دعم اللاجئين، لإيجاد حلول مستدامة، فتوفير الخدمات وعدم محدوديتها يخفف الضغوط على المراكز الصحية، ويخفف تكاليف العلاج والأمراض المستقبلية، وهو استثمار في الصحة وفي المستقبل، إضافة إلى كونه حقا أساسيا من حقوق الإنسان.
فقد نصت المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه “لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affairs Canada