تحديات تواجه النساء السوريات أثناء العمل في تركيا

منصة عين

نزار محمد

فرضت تجربة اللجوء على النساء السوريات طرق حياة، لم يعتدن عليها في السابق، كإحدى ضرائب الحرب المؤلمة، واضطرت العديد منهن للعمل لإعالة أسرهن، سواء بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية أو فقدان المعيل.

ولجأ إلى تركيا التي العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، وتعددت المهن التي نشطت فيها النساء، ومعظمها أعمال بسيطة من وحي تجاربهن في ظل انعدام الفرص وعدم تنظيم سوق العمل في تركيا، وكانت بالكاد تسد الحاجة وتخضع لرحمة السوق والظروف المحيطة.

لاجئة سورية في إسطنبول تبكي خلال مقابلة مع وكالة أسوشيتيد برس (AP)

وكما الحال في كل الحروب، كان للمرأة اللاجئة نصيب كبير من التحديات والمشاكل التي واجهتها أثناء نزوحها، فعدد كبير من النساء السوريات لم يعتدن على ثقافة العمل خارج المنزل بسبب العادات والتقاليد أو بسبب الظروف المجتمعية.

وفي المقابل، فقدت نساء سوريات كثر أعمالهن في سوريا، ودخلن في دوامة جديدة للبدء من الصفر لإحياء مشاريعهن البسيطة التي كانت بالكاد تكفي قوت يومهن.

وعلى الطرف الآخر، تواجه السوريات في تركيا العديد من التحديات إذا ما فكرن في العمل، ولعل من بينها “العادات والتقاليد” التي تمنعها من العمل إلا في مهن معينة، إضافة لاحتمالية تعرضهن للتحرش أثناء العمل وهذا حصل في عدة حوادث مع نساء سوريات يعملن في ورشات أو مصانع.

حياتي كلها كفاح

فريدة أم عادل، امرأة سورية أمضت حياتها كفاحاً لتأمين حياة كريمة لها ولأسرتها، فكانت تعمل مربية ومدبرة منزل في سوريا لدى عائلة ميسورة راضية شاكرة، ولكن الأقدار ساقتها كما ساقت ملايين السوريين إلى اللجوء إلى خارج البلاد بسبب الحرب التي لم ترحم، واستقرت في العاصمة التركية أنقرة في حي يقطنه السوريون ضمن بيوت متواضعة، يسمى حي “الأندر”، وبدأت العمل من جديد مشرفة مطبخ، تلبي طلبات الولائم والحفلات حسب الطلب، وهو أمر نادر الاستمرار.

وتصف أم عادل (59 سنة)، سنواتها السبع في تركيا بأنها الأقسى في حياتها، لأنها اضطرت للبدء من الصفر في رحلة كفاح جديدة للبحث عن مصدر رزق بعد الأحداث الأمنية التي شهدها حي “الأندر” في أنقرة العام الماضي.

تقول أم عادل، “إذا كانت هناك مناسبة ما مثل حفلات عيد الميلاد، أو دعوة غداءٍ، أقومُ بتجهيز كل ما يلزم من مأكولات وحلويات، وباقي التفاصيل من ترتيب السفرة والتنظيف، مقابل أجر لا يتناسب والجهد الذي أبذله”.

لم يكن الأجر الزهيد أو الجهد المرهق ما يقلق أم عادل، وإنما انقطاع العمل الذي كانت تتمنى أن يكون عملاً دائماً، رغم محاولاتها المتكررة لإيجاد عمل يومي يكفيها وأسرتها.

وتضيف أم عادل، سبعُ سنوات أقضي فيها معظم ساعات الليل، وأنا أفكر بتأمين رزق اليوم القادم، ويبدو أننا لن نحصل عليه، فقد وصلت بنا تلك الظروف القاسية بعد أحداث أنقرة الأخيرة، أنه لم يعُد مُتاحاً تأمين أدنى مستويات المعيشة.

مشاريع صغيرة لا تدوم

وصلت سحر العوض، إلى مرحلة متقدمة من الاستقرار، بعد افتتاح محلها الخاص بمساعدة أختها اللاجئة في ألمانيا.

وتقول سحر، لم تبق طريقة للعمل غير ثابتة إلا خضتها في تركيا، كنت أصنع فرص العمل لنفسي، لأستمر في الحياة أنا وأولادي، من الطبخ في المنزل، للمطاعم وتصنيع المؤونة والإكسسوار اليدوي، ولكنها كانت تجارب عمل مؤقتة أمنت فيها دخلاً إضافيَّاً لا يُغني من جوع.

وتضيف سحر (38 سنة) وهي أم لولدين وابنة، كانت سعادتي لا توصف وأنا أجهز بضاعة المحل، لأعود إلى نقطة الصفر بعد صدور قرار إخلاءِ السوريين من منازلهم ومحالهم في أحد أحياء أنقرة، وتحول الشارع المزدحم بالناس إلى شارع خال من الحياة، فلم يعد هناك من يشتري بضاعتي، التي تعتبر من الرفاهيات؛ فهي أمور ثانوية كالعطور والإكسسوار، وهنا لم يكن أمامي سوى إرسال ابني للعمل في إسطنبول لتأمين أجرة المنزل، وهو في سن صغير لم يبلغ من العمر سوى 12 عاماً.

في سن 55 تقارع الحياة

بدورها، أم سعد تعمل قبل الظهيرة في محل لبيع الألبسة النسائية، وبعد الظهر تعمل في تصنيع المخدات ومفارش الأطفال، تجلس ساعات طويلة على ماكينة الخياطة، التي بدأت بمصاحبتها من جديد كنوع من كسر قسوة الأيام.

أم سعد، امرأة سورية من ريف حمص، ترفض الإفصاح عن اسمها كعادة معظم السوريين الذين يخشون الظهور على الإعلام، لا سيما عندما تكون قصصهم فيها جانب شخصي.

وتقول، “كنت مهندسة، وكان عندي عملي الخاص من عشر سنين وأنا أحاول العيش بأمان وألا أشعر بالخوف من غد ومما يمكن أن يحدث معي أنا وبناتي”.

وتضيف أم سعد، أقسى شعور هو عجزك عن تأمين احتياجات أبنائك، لقد كنت أعمل أنا وبناتي طوال النهار والقسم الأكبر من الليل، وما زلنا في الحد الأدنى من تأمين أقساط الجامعات ومصاريفها، دخلنا كل فرصة عمل متاحة دون معرفة مسبقة بها، من خياطة وتصنيع إكسسوار، وكفوف طبية وأحذية، وكنا راضين ونحمد الله أن أُتيحت لنا فرص عمل؛ كي لا نعود كغيرنا من السوريات في حالة ضياع وبحث من جديد عن مصادر دخل قد تكون مستحيلة بعد أن أقفلت غالبية المحال”.

لست الوحيدة هناك العشرات

أما نور أم صبحي تنقلت خلال ست سنوات بين المدن التركية، وكانت البداية مع مدينة غازي عنتاب ثم أنطاكيا فإسطنبول وعادت مجدداً إلى أنقرة.

تقول أم صبحي، “منذ عامين يعمل زوجي معلم دهان، دخلُه غير كافٍ لتأمين احتياجات بناتي، وفي كل مدينة أسكنها أروج عن طريق صفحات الواتساب والفيس بوك عملي في تجهيز الطعام والحلويات في منزلي؛ لأُساعد زوجي في تأمين حياة مستقرة”.

وتضيف، “لست الوحيدة فهناك العشرات من النساء السوريات يخضن المعركة نفسها من أجل البقاء وتأمين أدنى حد من مستلزمات الحياة”.

سلبي وإيجابي

الطبيبة رغداء زيدان، طبيب أسنان مقيمة في مدينة إسطنبول، رأت أن هناك نواحي إيجابية وأخرى سلبية، أما النواحي الإيجابية لعمل المرأة، فإن العمل عموماً يمنحها “الأمن الاقتصادي، الثقة بالنفس، الخبرة الاجتماعية، القدرة على الإبداع، الحضور المؤثّر، القدرة على اتخاذ القرار”.

وتضيف: “أما النواحي السلبية فهي الإرهاق، والتعرّض لمشكلات العمل كالتحرّش والاستغلال، والضغط النفسي، والوقوع تحت المجهر الاجتماعي المُرَاقِب لتصرفات المرأة ولباسها وحركاتها وعلاقاتها”.

الاستقلالية

أما دينا جاويش وهي سورية مقيمة في مدينة غازي عنتاب وخريجة إدارة أعمال، إلا أنها اضطرت لتعمل في أحد المطاعم السورية، وترى أن تأثير دخول المرأة للعمل هو أمرٌ إيجابي “طبعًا”، لأنه “يعطيها قدرة على رؤية نفسها بشكل مستقل، وعندها تعرف قوة الاستقلالية، على الرغم من صعوبة الموضوع، ستكون قادرة على تربية جيل قادر على أن يعتمد على نفسه”.

ولكن دينا ترى أن “الطريق ما يزال طويلًا أمام المرأة السورية، وذلك لأن العمل مرتبط بالتعليم، والقدرة على التعامل مع معطيات كانت غير معروفة بالنسبة إليها”.

العمل حاجة أساسية

كوثر سعيد المستشارة النفسيّة المقيمة في مدينة مرسين، وتعالج عددا من الحالات التي تأتيها من المرضى النفسيين في مركزها الخاص بها، قالت إن العمل هو حاجة من الحاجات الأساسية في حياة الإنسان، والمرأة هي نصف المجتمع، لذلك لا بد من أن يكون للمرأة دورٌ في العمل.

وهناك أعمال مهمة جداً، ولا بد للمرأة من أن تكون ضمن دائرة العمل فيها، والمجالات واسعة وكبيرة ولا يمكن إحصاؤها (منها التعليمية، الطبية، السياسية….. إلخ)”.

وتكمل كوثر أن دور المرأة “يظهر عند الأزمات، ولكن إذا لم تجهّز نفسها خلال حياتها، فمع ظهور الأزمة وهي غير مؤهلة، ستضطر إلى دخول أعمال غير لائقة بها، مما يجعلها تعيش في سلسلة من التوترات هي في غنى عنها”.

واقع عمل السوريات في تركيا

تؤكد دراسةٍ أعدها مركز الحوار السوري تحت عنوان “العمالة السورية في سوق العمل التركي”، أن ظروف العمل في السوق التركي غيّرت نمط العمل الذي اعتادت العمالة السورية عليه؛ فانتقلت هذه العمالة إلى أعمال أطول وأقل استقراراً.

وتشير الدراسة إلى أن سوق العمل التركي استوعب أعداداً أكبر من النساء اللواتي تحولن نتيجة ظروف اللجوء إلى مُعيلات لعائلاتهن، أو اضطرتهن الظروف للعمل؛ لمساعدة أزواجهن في تأمين دخلٍ مقبولٍ للأسرة.

وتضم العمالة السورية شريحة واسعة تملك خبرات سابقة؛ إلا أن هذه الشريحة لم تستطع نقل خبراتها السابقة إلى سوق العمل التركي.

وبحسب الدراسة فقد تركزت العمالة السورية في أنماط معينة من المهن، وتوزع غالبية السوريين في مهن منخفضة ومتوسطة المهارة، فيما عملت نسبة قليلة لا تتجاوز 7% في مهن تتطلب مهارات عالية.

كما أن التركز على قطاعات عمل تتطلب مهارات منخفضة يعيق فرص الاندماج السريع، وبالتالي استمرار استنزاف العديد من الخدمات الاجتماعية، إذ يتوقع أن يؤدي الاندماج البطيء إلى تجمع السوريين في الأحياء الفقيرة، ونشوب صراع اجتماعي مستقبلي.

وسلط تقرير عن  شبكة اتحاد الأيتام السورية، العاملة في تركيا، الضوء على إمكانات المرأة السورية الأرملة، لتحفيز فرص صقل مهاراتها وتمكينها، لما لها من دور فعال في بناء المجتمعات.

وشملت الدراسة عينة من النساء السوريات في تركيا في معظم  الولايات التركية التي تكثر فيها إقامة النساء السوريات، وشملت كلاً من إسطنبول والريحانية وأنطاكيا وشانلي أورفا وغازي عنتاب وكاراخان.

ووفقاً للدراسة بلغت نسبة النساء اللاتي تلقين مساعدات من منظمات إنسانية محلية حوالي 64%، في حين تقوم النساء المشاركات في الدراسة برعاية نحـو 1304 طفـل وطفلـة، بمعدل ثلاثة أطفال لكل امرأة.

وأشار التقرير إلى أن الصعوبات الأساسية التي تواجهها اللاجئات السوريات الأرامل هي قلة الدخل، ووفقاً لنتائج الاستبيان فإن 71.52% من المشاركات لا يملكن مصدر دخل، وذلك يعكس الحاجة إلى تمكين وتأهيل المستجيبات لتوفير مصدر دخل ذاتي.

وحول امتلاك المهارات العلمية والمهنية، أكد التقرير على امتلاك السيدات لمهارات أو مهن تمكنهم من دخول سوق العمل وبلغت نسبة القادرات على التعليم 20.86%، بينما توزعت النسب المتبقية بين المهارات الأخرى كالخياطة والنسيج وما إلى ذلك.

وفي الاستبيان أفادت 56.29% من المشاركات برغبتهن في تعلم مهارات فكرية وتقنية جديدة، و43.09% من النساء المشاركات لا يمتلكن صعوبات أو تحديات تمنعهن من التعلم، بينما شكل الوقت تحدياً لما نسبته 15.45% منهن.

وأفاد التقرير أن 91.93% من السيدات الفاقدات لمعيلهن باحتياجهن إلى تمكين وأنهن لا يملكن مهارات تعينهن في حياتهن وهي نسبة تعتبر عالية جداً ضمن القوى المنتجة والعاملة، رغم إمكانيات المرأة العالية وأهمية دورها في العمل والإنتاج، ولذلك يتجه العالم نحو تمكين المرأة اقتصادياً كجزء من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

ورغم اختلاف الظروف الشخصية للمشتركات، تمتلك النساء اللاجئات مؤشرات جيدة عن الثقة بالنفس والرغبة في التمكّن، وانتظار المساعدات الإغاثية ليست من أولويات اللاجئات السوريات.

وفي دراسة استقصائية أجراها مركز حرمون للدراسات على عيّنة من السكان الذين يعيشون في ظل نظام الحماية المؤقتة، مؤلفة من 341 مهاجرًا، بينهم 207 سيدات.

تشير النتائج التي تمّ الوصول إليها إلى العديد من المشكلات، كما توضح احتياجات المرأة السورية، على سبيل المثال، تُعَدّ معرفة اللغة التركية بشكل جيد، إضافة إلى مستويات التعليم والمهارات المنخفضة، من بين أكبرِ الحواجز أمام التوظيف.

علاوة على ذلك، إن غموض الإجراءات البيروقراطية وتطبيقات تصاريح العمل غير المحوسبة، تظهر كعامل إعاقة آخر في هذه العملية، مقارنة ببلدهم الأصلي، فإن المرأة السورية أكثر نشاطًا في تركيا.

ومع ذلك، فإن الغالبية من النساء يعملن في وظائف غير مستقرة وموسمية، تمنع مشكلاتُ رعاية الأطفال، والطبيعة الإقطاعية (الهيمنة الذكورية) لكثير من العائلات، النساءَ السوريات من المساهمة اقتصاديًا، وعلى الرغم من كونهن من الشابات عمومًا، فإن معظمهن يشغلن وظائف موسمية، وهذا يترك فرصة ضئيلة للتطوير الوظيفي.

وفي آخر إحصائية أصدرتها المديرية العامة للهجرة التركية، يبلغ عدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، 3 ملايين و715 ألفاً و913 شخصاً، موزعين على معظم الولايات، تمثل النساء ما نسبته 46.2% منهم أي حوالي مليون ونصف المليون، وتشكل النساء اللواتي تترواح أعمارهن بين 18- 59 سنة النسبة الأكبر بينهن، بينما من هن دون 18 عاماً تزيد نسبتهن عن 20%.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affairs Canada

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة