المرأة السورية… عنف تشرّعه العادات

منصة عين

19\03\2021

نازك تلحوق

كبرت آلاء الطفلة السورية المقيمة في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا قبل أوانها يوم قصدت إحدى السيدات مسكنها لتقنع أهلها بتزويجها من شاب تحمل صورته على هاتفها، وبتشجيع كبير من أهلها الذين اعتبروا زواجها “حبل نجاة”، تغيرت أحلامها من لعبة ودراسة إلى بيت وعريس وغرفة خاصة بها وفستان جميل، وهي التي تقطن في غرفة مع إخوتها الستة وتعيش في فقر مدقع.

أسبوع واحد وزُفّت آلاء إلى عريسها، تقول آلاء “ظننت أن الزواج سينسيني الفقر والعذاب ويفتح لعائلتي طاقة الأمل ويحسن ظروفهم، فهذا ما أكدته لي أمي”، ولكن ما حصل كان العكس تماماً، فالعريس الذي أرادها طفلة “تتربى على يده” أذاقها الويل ومن الأسبوع الأول، بحسب تعبيرها.

مصدر الصورة: شبكة المرأة السورية

كانت آلاء الزوجة الثالثة لشاب جميل، بينما هي متواضعة الشكل كما تقول، مضيفة “في الواقع تزوجت وحشاً كان يضربنا بعنف ويركلنا، ويجبرنا على العمل في المنازل ويأخذ رواتبنا نحن الثلاثة، وإن أخطأت إحدانا كان نصيبنا جميعاً الضرب المبرح، لم يكن زوجي يصدّق مرضي فلم أعد أجرؤ على رفض أي عمل يختاره لي وأقوم به رغم ألمي وإرهاقي، أهلي أرادوا التخلص من مصروفي ولن يسمحوا بعودتي إلى المنزل ثانية، فيما زوجي يقوم باستغلالي”.

لم تكن آلاء تعلم عن وجود جمعيات تحميها أو قوانين تحفظ حقها، لكن الصدفة قادتها إلى النجاة من مأساتها حين أرشدتها إحدى السيدات التي تعمل لديها إلى إحدى الجمعيات، فرفعت الصوت ورفضت العنف الممارس عليها، ووقع الطلاق، وبعدها التجأت إلى جمعية أخرى أمّنت لها مسكناً وحماية مؤقتة.

تقول آلاء، “أنا محظوظة لأنني تمكنت من الحصول على المساعدة بينما أخريات قد يقتَلن أو قد يصبن بإعاقات دائمة وأمراض نتيجة العنف الممارس عليهن والسكوت عنه.

وعند سؤالها عن مصير زوجاته الأخريات، تقول أنهن متقبلات للأمر ويعتقدن أنه من حقه أن يقوم بالتعنيف، بل ويكنن له الحب والاحترام ويسامحنه، فهكذا تكون المرأة الصالحة برأيهن، عليها طاعة الزوج وعدم الشكوى، بحسب آلاء.

تؤكد آلاء أنه يجب أيضاً أن تطلب الفتاة الحماية بشكل سري، كي لا يعلم المعنِّف بنيّتها وينتقم منها، وتشير إلى أنه يجب على الجمعيات المعنية بالحماية أن تؤمن خطاً ساخناً وخدمة سرية للإرشاد كي تطمئن المرأة المعنّفة وتطلب المساعدة.

عنف تشرّعه العادات

تضاعفت حالات العنف المنزلي والأسري على النساء والفتيات السوريات خلال النزاع في سورية، وزادت حياة التشرد من الضغوط النفسية على الرجال وبالتالي من العنف الممارس على النساء، ولا تعلم الكثيرات من المعنّفات أنّ هذا النوع من العنف سواء الجسدي أو النفسي هو إساءة لكيانهن، ويعتقدن أن من حق الزوج أو الأخ أو الأب أن يمارس السلطة عليهن، بل ويجدن العذر له كونه متوارث تتقبله العادات وتشرعه التقاليد في بعض المجتمعات السورية.

وعادة ما يحدث العنف الأسري والمنزلي خلف الأبواب المغلقة، ويبقى طي الكتمان إما بسبب سطوة مرتكب العنف أو بسبب المفاهيم الاجتماعية الموروثة التي تمنع الكشف عنه إلا في حال قررت الناجية تحدي هذه المفاهيم ورفع الصوت وطلب المساعدة.

وللعنف الأسري والمنزلي أشكال عدة منها الاعتداء الجسدي، أو التهديد النفسي، أو التخويف، أو الاعتداء السلبي الخفي كالإهمال، أو الحرمان الاقتصادي، وكل هذه الأشكال من الإيذاء تترك أثرها في نفسية الفتاة المعنّفة بنسب متفاوتة، وينجم عنه اعتلالات نفسية واجتماعية خطيرة.

وفي تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان UNFDA الصادر عام 2016، أفاد أن 67% من النساء في سوريا تلقين عقاباً من ازواجهن، 87% منها كانت على شكل عنف جسدي، كما وقعت 70% من حوادث العنف في منازل اللاجئين في سوريا والأردن، 80% منها ارتكبت من قبل الشريك الحميم أو من قبل شخص معروف للناجية.

ويؤكد التقرير أن العنف انتشر في مجتمعات اللجوء والنزوح خاصة من جانب الأزواج والآباء والإخوة الكبار، هذا وتقبل النساء التعرض للإيذاء من قبل أزواجهن إذا كانوا يواجهون ضغوطاً كبيرة، بل ويقدمن تبريرا لذلك، بحسب تقرير صندوق الأمم المتحدة.

الآن أصبحتُ أقوى

تجلس “ورد” رافضةً الكشف عن اسمها الحقيقي، وقد غطت الكدمات ما ظهر من وجهها وجسدها، تقول ورد “تزوجت بسن صغيرة وكان زوجي يضربني لأتفه الأسباب، تعرضت لسوء المعاملة والإهانة والحرمان المادي والحرمان من الخروج، وحين لجأت لمنزل أهلي لطلب الحماية ضُربت من جديد من إخوتي وأبي، لأن المرأة برأيهم مكانها منزل زوجها، وباعتقادهم أنني قمت بما أستحق أن أُضرب لأجله، لم يكن هذا رأي إخوتي وأبي فقط، بل حتى أمي التي قالت أن علي أن أتحمل  وأصبر، لأن الضغوط  الحياتية والمادية هي السبب وكانت تقدم التبريرات له، رافضة فكرة الطلاق بشكل قطعي”.

تضيف ورد، “تحملت أشهراً ولكن تعنيفه الدائم كان يزداد ولم تعد المساحيق التجميلية تغطي آثاره، كنت محطمة واعتقدت أن حياتي توقفت، وحين علمت بالصدفة عن إحدى جمعيات الدعم قررت اللجوء إليها وحصلت على الدعم النفسي والقانوني.

“الآن أصبحت أقوى” تضيف ورد “وأعلم أن هناك من يدعمني، بدأت العلاج وأنا بصدد تقديم شكوى.

وتؤكد ورد أن الكثيرات لا يجرؤن على تحدي العادات، أو ربما لا يعرفن بوجود أماكن الدعم ومنظمات مساعدة النساء من العنف المنزلي.

وأشارت دراسة لتجمّع الحماية العالمية شملت مختلف محافظات سورية أن هذا النوع من العنف تلقائي متراكم نتيجة العادات والهياكل والموروثات عميقة الجذور التي يقوم عليها المجتمع السوري، والتي تعمل على تطبيع هذا العنف، فالطابع المحافظ الذي يسيطر على بعض المجتمعات المحلية والتقاليد تمنع الإبلاغ عن مثل هذه الانتهاكات وتتكتم عليها لأنها تخدش الوجدان العام للجماعة، بحسب الدراسة.

نقص الخدمات ودليل الإحالة

إن نقص الخدمات المتخصصة في العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الأسري والمنزلي، ونقص المعرفة حول أماكن الخدمات المتاحة، إضافة إلى المعتقدات المتوارثة، يدفع النساء للسكوت وتحمل الإيذاء النفسي والبدني والاقتصادي غير عالمات بحقوقهن المشروعة، وكذلك يعيق وصول النساء والفتيات إلى مراكز الدعم في حال قررن رفض هذا العنف في ظل غياب الأثر الفاعل للجمعيات المعنية بالتوعية وتشجيع النساء والفتيات على رفض العنف الممارس عليهن.

في هذا الإطار ولمعالجة هذا النقص، صدر مؤخراً دليل إحالة للنساء الناجيات من العنف، وهو من عمل شبكة المرأة السورية وبدعم من منظمة UN Woman ومنظمة دعم الشعب الياباني، يشرح الدليل أنواع العنف الممارس على النساء والفتيات السوريات وأماكن طلب المساعدة المتوفرة في مدينتي الباب وغازي عنتاب اللواتي تضمان أعداد كبيرة من النازحين واللاجئين، إذ يبلغ عدد اللاجئين السوريين في غازي عنتاب  452.420 لاجئاً، بينما تشهد مدينة الباب نزوحاً داخلياً كبيراً نتيجة النزاع أدى لتزايد عدد سكانها بشكل كبير.

ويعتبر الهدف الرئيسي من نشر دليل الإحالة تطوير منظومة شاملة تستجيب لاحتياجات الناجيات من العنف، فعادة ما تحتاج الناجية إلى خدمات عدة منها طبية أو دعم قانوني ونفسي، أو بيوتاً آمنة لإعادة التأهيل والتمكين، وهذا ما يتجاوز قدرة منظمة واحدة على معالجتها، وبالتالي تتطلب الاستجابة لاحتياجاتهن الربط بين مقدمي الخدمات المختلفة لضمان الحصول على  الخدمات بطريقة آمنة وفعالة، وتستفيد النساء الناجيات من العنف وعائلاتهن من خدمات هذا الدليل، كما المنظمات العاملة مع هؤلاء الناجيات كونه يسهل الإحالة بين المنظمات المختلفة .

مر الدليل بالعديد من الخطوات لإنجازه بدءا من دراسة استقصائية أولية عن حالات العنف في المجتمعين المستهدفين، وجمع المعلومات عن المنظمات التي تقدم خدمات للناجيات ثم تحليل هذه البيانات وتدقيقها وتبويبها في الدليل.

أيضا يحوي الدليل على تعاريف ومصطلحات عامة، المبادئ الأساسية لعمليات الإحالة بين الوكالات والمنظمات، قطاعات الإحالة للناجيات من العنف، جداول بالخدمات المتوفرة في مدينتي غازي عنتاب والباب وأرقام هواتف للحالات الطارئة.

دليل الاحالة

وبمناسبة يوم المرأة العالمي الذي يتزامن مع 8 آذار من كل عام، وبالتزامن مع إطلاق شبكة المرأة السورية دليل الإحالة للنساء الناجيات من العنف، أعلنت شبكة المرأة السورية عن تشكيل فريق خاص لاستقبال حالات الناجيات من العنف هاتفيا وتحويلهن إلى المراكز الخدمية في مدينة غازي عنتاب، ووضعت الشبكة رقم هاتف مخصص للتواصل مع الفريق المتخصّص وبأوقات معينة.

وفي ذات السياق، خصصت شبكة المرأة السورية ملفاً خاصاً ل”العنف ضد النساء”، بهدف حماية المرأة من العنف الموجه لهن بكافة أشكاله، وللحماية من حوادث العنف والتحرش والاغتصاب.

معالم عبد الرزاق مديرة المشاريع في شبكة المرأة السورية تحدثت عن تأسيس قسم الحماية في الشبكة، وأكدت على عمل الشبكة على تحقيق هدفها في مساعدة النساء الناجيات والمعنّفات لتوثيق حالاتهن وإحالتهن لمراكز خدمية تؤمن لهم الدمج المجتمعي والمساعدة القانونية، تقول معالم، “حاليا لدينا فريق كبير متدرب والبعض منهم في طَور التدريب، ولدينا خطّين لاستقبال الحالات، المستفيد الأكبر من الدليل هم المؤسسات والمنظمات العاملة مع النساء التي تضم ضمن مخططاتها بناء قسم حماية وفتح خط إحالة بالإضافة للنساء بشكل مباشر لأنه يتضمن خارطة خدمات لهذه المنظمات تسهّل الوصول إليها”.

ولفتت معالم إلى أن كل المراكز التي شملها الدليل هي مراكز تمت زيارتها من قبل الشبكة وتم تقييم الوضع والتأكد من أنها تقدم هذه الخدمات فعلاً، “هناك مراكز أخرى تقدم خدمات لكننا كنا حريصين على ذكر أسماء المراكز التي قمنا بزيارتها والتأكد منها”.

وأكدت معالم على أن خطة شبكة المرأة السورية تتضمن توسيع الخارطة لتضم مراكز أخرى وتصل لأكبر عدد من المستفيدات،  تضيف معالم، “من  الخطوات القادمة أن يكون لدينا نظام متابعة لهذه الحالات، أي نتابع مع السيدة إن وصلت وحصلت على الخدمة أم لا، كأن تكون  حصلت على خدمة قانونية وستتحول على الخدمة النفسية مثلا، ومتابعة الأثر النهائي لهذه الحالة كخطوة مستقبلية، أما عن كيفية ضمان وصولنا للنساء، فهو عن طريق الضخ الإعلامي عن طريق المؤسسات الإعلامية ومؤسسة JHR، بالإضافة لفرقنا ومجموعاتنا، إذ سنعمل على التعريف بالدليل في جلسات تعريفية مع الشركاء والمنظمات الشريكة للتعريف بالدليل وتوزيع الأرقام الخاصة بالإحالة، وفعلاً بدأنا باستقبال الحالات”.

ونحن بدورنا ننشر لكم الأرقام الخاصة بالإحالات ومتابعتها.

05539569588

05396066497

العنف المنزلي من منظور ديني

يستفيد المعتدون من بعض النصوص الدينية في القرآن كمبرر لإيذاء الآخرين بدنياً ونفسياً، في المقابل، يتوجب على المسؤولين الدينيين زيادة الوعي حول عدم جواز العنف الأسري وتوفير الدعم للضحايا.

وفي هذا السياق واستناداً لعدد من الدراسات الإسلامية، “إن التعاليم الإسلامية تستنكر بشكل  صريح العنف الأسري والعنف المنزلي وتدعو إلى نبذ التفسيرات المغلوطة للآيات القرآنية المتبناة للسماح به، فإيذاء الرجل  لزوجته وبناته وأخواته، سواء بدنياً أو نفسياً، محرّم بشدّة، وهناك آيات عدة تثبت عدم جوازه، ومن الآيات القرآنية الرئيسية الّتي تُناقش العلاقة المثالية بين الزوج والزوجة هي الآية التالية: “وَمِنۡ ءَايَـٰتِهِۦۤ أن خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٲجً۬ا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَڪُم مَّوَدَّةً۬ وَرَحۡمَةً‌ۚ إِنَّ فِى ذَٲلِكَ لَأَيَـٰتٍ۬ لِّقَوۡمٍ۬ يَتَفَكَّرُونَ” وفي أية أخرى، يأمر الله الرجال فيقول: “وَعاشِروهُنَّ بِالمَعروفِ”.

الأثر النفسي للعنف المنزلي

إن الآثار النفسية التي تترتب على العنف ضد المرأة كثيرة، لها أبعاد سيئة على المستوى النفسي حيث تسبب لها بالشعور بالنقص وتقلل من قيمتها الذاتية كما وتضعف ثقة المرأة المعنّفة بنفسها.

إذ أشار العديد من الأطباء إلى أن العنف يؤثر على صحة المرأة العقلية أيضاً فتتشتت ذهنياً وفكرياً، وينعكس هذا على القدرة السليمة في التصرف والتفكير المنطقي السليم، كما وأن المرأة المعنّفة تعيش مراحل متتالية من الصدمة والإنكار والخوف والارتباك، وعندما تتعرض للتعنيف المستمر يتكون لديها ضعفاً في الشخصية وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، ويدفعها ذلك لتمارس العنف بدورها على أطفالها مما يخلق عائلة مفككة مضطربة.

ويُعد العنف ضد المرأة والفتاة واحداً من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً في عالمنا اليوم، بسبب ما يحيط به من ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار.

ونصت المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لا يعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطّة بالكرامة”.

إن معالجة العنف المنزلي والعنف الأسري الممارس على النساء يحتاج لحشد كافة الجهود الممكنة لقيادة التغيير وتعزيز المساءلة، بحيث يشمل كل جهد إنساني ممكن بدءاً من النساء المؤثرات والقادة المجتمعيين والجمعيات الأممية والوطنية، مروراً بصانعي السياسات والزعماء الدينيين، لتوفير خدمات شاملة للمتضررات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، والوصول إلى مجتمع يحتويها ويثأر لكرامتها بمعاقبة الفاعل على فعلته ضمن الأطر القانونية، ففي هذه الرحلة الشاقة، الكلّ مسؤول عن الصحة النفسية للنساء وخاصةً الناجيات منهن.

‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affairs Canada‘‘”

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة