التحول في الأدوار الجندرية للسوريات بعد الثورة

منصة عين

كان للثورة السورية دور كبير بإحداث تغييرات جندرية عميقة تركت أثرها على شكل العائلات السورية وأسلوب معيشتها وحياتها اليومية ودور النساء فيها، فتغيرت أدوار النساء السوريات التقليدية بعد الثورة، وأجبر اللجوء والنزوح الكثيرات منهن على رفض الأنماط الإقصائية التي كانت تضعها في قوالب محددة قبل الأزمة نتيجة العادات والتقاليد والمجتمع القبلي والذكوري، وفي أنماط تتقاطع مع الإقصاء القانوني والسياسي والعملي، والبعد العشائري والطبقي، والتي كانت جميعها تأتي على حساب النساء وكياناتهن ومصالحهن.

وأبرزت الثورة قدرات النساء السوريات من خلال ما قمن به من جهود جبارة، وأظهرن مستوى رفيع من التضحيات، فعملت النساء السوريات والناشطات أثناء الأزمة على تطوير طرق ملائمة وفعالة للتعامل مع الواقع الجديد، فانتفضن وخرجن من عباءة التقاليد، وأخذن أدوارا جديدة، فكنّ قائدات وناشطات وممرضات وطبيبات وصحفيات وأسسن جمعيات ومنظمات.

ولازالت ناشطات الثورة وأيقوناتها حاضرات في الذاكرة، ممن أثبتن حضورا وتأثيرا لا يستهان بهما وكنّ البداية لتأثير اجتماعي عميق قام على أسس جندرية.

إنفوغرافيك (1) توضيحي يعرض بيانات نسب تمثيل المرأة السورية

في الإغاثة

حضرت المرأة السورية بقوة في أعمال الإغاثة والإسعاف، من طبيبات وممرضات ومسعفات، وعند نزوح أهالي الغوطة الشرقية في أكبر عملية نزوح عن دمشق وريفها، كان 80% من العاملين في مراكز الايواء وكوادر المنظمات التي ساعدت في عمليات الإغاثة من النساء.

وبرز اسم الممرضة السورية مليكة حربلي التي تطوعت للعمل في أحد مشافي شمال حلب، بعد فقدان عائلتها بغارة جوية، واستمرت بالعمل رغم إصابتها خمس مرات، وفي العام 2018 منحتها الأمم المتحدة جائزة أفضل ممرضة.

وكانت الطبيبة السورية أماني بالور تدير مشفى الكهف الميداني تحت القصف، وتشرف على فريق طبي مؤلف من 120 عاملا صحيا، ومنحها المجلس الأوروبي جائزة والنبيري لعام 2020، لدورها الكبير في إنقاذ الجرحى خلال سنوات الحرب في سوريا.قدمت الطبيبة بلور نموذجا رفيعا في الإنسانية والتضحية ضمن عملها في مستشفى الكهف (الفرنسية)

Syrian doctor Amani Ballour attends the Vanity Fair and Lancome Women In Hollywood Celebration at SoHo House West Hollywood in West Hollywood, California, on February 6, 2020. (Photo by LISA O’CONNOR / AFP)

دور منظمات المجتمع المدني في تمكين النساء

كانت تجربة النساء السوريات على مستوى المجتمع المدني ونجاحهن في إدارة مؤسسات وهيئات إغاثية وإعلامية وثقافية وإنسانية، دليلًا على أن المرأة السورية، ورغم الاضطهاد المجتمعي والسياسي، استطاعت أن تكون بنفس قدرة وقوة وثبات الرجل، فكسرت العديد من التابوهات الاجتماعية، وأسست جمعيات تقودها نساء تعمل لردم الفجوة بين الجنسين وتمكين المرأة.

وبفضلهن قام مجتمع مدني نشيط حاول خلق وعي لدى الناس حول أهمية وفاعلية دور المرأة في المجتمعات المحلية.

وبمرور الوقت اكتسبت العاملات والمشاركِات في هذه النشاطات خبرات عملية وثقافية لا يُستهان بها، وهو ما يبشر بدور فاعل حقيقي للمرأة السورية في مستقبل البلاد.

لمى البيك  مؤسسة  جمعية SB Overseas التي تعنى بشؤون النساء المهاجرات ودمجهن في المجتمع ومساعدة الأطفال.

ساهمت بتأسيس أول مدرسة في مخيم عرسال وكفالة مايقارب ال21000 عائلة وإنجاز 49 مشروعاً بدعم من 12 مؤسسة شريكة.

وترأست نيفين حوتري وحدة دعم وتمكين المرأة، وأشرفت على تدريب العديد من النساء في المجالات الحقوقية والسياسية والاجتماعية.

نيفين حوتري

 

في سوق العمل

ظهر أيضا تحول في الأدوار الجندرية للنساء في سوق العمل، وإن كان دافعه في البدء حاجة اقتصادية، إلا أنه أنتج تطوراً إيجابيا في مكانة المرأة الاجتماعية والسياسية، وأثر على قدرتها في المشاركة في صنع القرارات التي تخصها أو تخص مجتمعاتها.

فانخرطت في أعمال لم تكن تقوم بها في السابق وأصبح من المعتاد على سبيل المثال أن ترى مجموعة من النساء قمن بافتتاح وإدارة مشحم لغسيل وتنظيف السيارات في مدينة السويداء، وأن ترى أيضا سيدة تدير محلاً لبيع الأدوات الصحية في ريف دمشق وتلبي بعض الطلبات المنزلية الصغيرة، كتغيير حنفية أو تسليك المجاري في المطبخ، كذلك لم يعد مستغرباً أن ترى امرأة تقود سيارة تكسي في شوارع دمشق، وشابات جامعيات يقدن الدراجة الهوائية للذهاب الى جامعاتهن. او ان ترى أول سائقة توك توك في الحسكة تقتحم عالم الرجال وتنقل شحنات من الخضار والفاكهة للتجار في حارات المدينة وحمولات الإسمنت والرمل إلى وُرش البناء داخل المدينة وأحياناً في ريفها.

وأسست العديد من النساء أشغالهن الخاصة ودعمت العديد من جمعيات تمكين المرأة النساء للانخراط في سوق العمل، ففي ادلب افتتحت منظمة “بارقة أمل” النسائية أول مركز نسائي مختص بتصليح وصيانة الهواتف، بهدف ضمان حفظ خصوصية النساء وحماية بياناتهن من السرقة والاختراق.

في مناطق سيطرة المتشددين : نكسة

قمعت التنظيمات المتشددة تطلعات النساء واعادتهن الى مجتمع ذكوري أبوي يتجاوز بمراحل ما كانت عليه الحال سابقاً، فتدهورت أوضاع النساء ووقعت انتهاكات لحقوقهن، وعُدنَ الى الأدوار التقليدية. وباتت المشاركة النسوية في الشؤون العامة وأمور السياسة ومشاغلها، في مناطق سيطرتهم، شبه معدومة.

 وبينما تراجع وضع النساء في مناطق المتشددين كان دورهن يتصاعد في مجتمعات اللجوء.

 

دور النساء في مجتمعات اللجوء

كان التغيير في الأدوار الجندرية للسوريات عابرا للقارات، وطال كل مكان وصلت إليه المرأة السورية، إذ تصدّرت ثلاث نساء سوريات قائمة BBC لأكثر 100 امرأة ملهمة حول العالم، وهنَّ عالمة الفيروسات النباتية صفاء قمري، والمخرجة وعد الخطيب، ورسّامة كتب الأطفال نادين كعدان.

كما منحت منظمة “اللاجئين الدولية” جائزة “الخدمة الاستثنائية” لعام 2021 للطبيبة السورية أماني بالور لدورها الاستثنائي في العمل الإنساني وتعزيز حقوق الإنسان.

ونالت الناشطة السورية، آمنة خولاني العضو المؤسس في جمعية “عائلات من أجل الحرية” الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة.

وحصلت مزون المليحان على جائزة “دريسدن” للسلام لمحاربتها زواج القاصرات وقيادة حملات دعم التعليم في المخيمات.

وحصدت الصحفية السورية زينة ارحيم التي قامت بتدريب 100 مواطن صحفي ثلثهم من النساء، وساعدت بتأسيس صحف ومجلات مستقلة عبر البلاد، العديد من الجوائز تقديراً لشجاعتها منها جائزة بيتر ماكلر للصحافة الشجاعة والأخلاقية وجائزة منظمة مراسلون بلا حدود لعام 2015.

ونال فيلم for sama للمخرجة وعد الخطيب اهتماما دوليا ومحليا، وحصد خمسة جوائز، من بينها جائزة البافتا لأفضل فيلم وثائقي، وجائزة بريطانيا للأفلام المستقلة.

كما وصل فيلم ماء فضة للناشطة والمخرجة وئام بدرخان التي وثقت كاميرتها معالم ومآسي مدينة حمص، إلى مهرجان كان السينمائي عام 2014

وعملت المرأة السورية في مهن جديدة لم تألفها من قبل فكانت نجد بوشي أول لاجئة تقود سفينة في ألمانيا

نجد بوشي

 

وكانت “مايا غزال” أول سيدة سورية تقود طائرة في المملكة المتحدة، وحصلت مايا على جائزة إرث “الأميرة ديانا” عن فئة “حملات من أجل التغيير”.

                            مايا غزال

 

وتفوقت الطالبات السوريات في التعليم ونلن المراتب الاولى في العديد من الدول، فحصدن المراتب الأولى والعلامات الكاملة، وأشادت رئيسة الاتحاد الأوربي باللاجئة السورية سعاد الشلح بعد حصولها على منحة فخرية للدراسة في الكلية الملكية للجراحة في إيرلندا، داعية إلى دمج اللاجئين وإشعارهم بأنه مرحب بهم.

الطالبة سعاد الشلح

 

في الرياضة أيضاً

تم اختيار إنانا بندق لتمثيل فرنسا في بطولة الاتحاد الأوربي للتزلج السريع.

كما حصلت السبّاحة السورية وسفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة يسرى مارديني على جائزة ألمانية للمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي. وصنفتها مجلة People في الولايات المتحدة واحدة من “25 امرأة يغيرن العالم’

يسرى الآن سفيرة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وقد استقبلها البابا ذات مرة. وتم نشر كتاب عن حياتها، كما يتم حاليًا إنتاج فيلم عنها  سيكون متاحًا على Netflix العام المقبل.

منظمات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي

ركزت منظمات الأمم المتحدة على الاستثمار في النساء السوريات من خلال تطوير القدرات والمهارات في مجال القيادة والتمكين الاقتصادي والتدريب العملي والعمل لتحقيق مساواة جندرية، وقدمت الدعم للمبادرات والمنظمات التي تقودها النساء السوريات، في معالجة العنف والتمييز اليومي الذي يتعرضن له، ولضمان مشاركة المرأة في العمليات السياسية وحل النزاعات.

في المفاوضات

 شكلت النساء ثلاثة عشر عضواً من أصل 45 عضواً في لجنة الصياغة في اللجنة الدستورية.

تألفت اللجنة من ثلاثة وفود منتدَبة عن النظام والمعارضة والمجتمع المدني، ولكل وفد خمسة عشر عضواً، وضم وفد المجتمع المدني سبع نساء، ووفد النظام أربع نساء، ووفد المعارضة امرأتَين.

نساء سوريات يتحدثن في مؤتمر صحفي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة

 

في النشاط السياسي الحكومي

رغم تعهد حكومة النظام السوري بزيادة نسبة مشاركة المرأة في الحياة العامة وصناعة القرارات إلى 30 في المئة في إطار توصيات اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة “سيداو”، إلا أن نسبة التمثيل البرلماني للنساء في العام 2021 لم تتعدى 12% حيث وصلت ثمانية وعشرين امرأة لمقاعد البرلمان بنسبة 11.2% مقابل الرجال وبانخفاض عن الدورة الماضية التي بلغت 12.8( 32 مقعدا).

وكانت نسبة تمثيل النّساء في مجالس الإدارة المحلّيّة أقلّ من 5% في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، أما في مناطق المعارضة فلا تتعدّى 2% فقط.

 

إنفوغرافيك (2) توضيحي يعرض بيانات نسب تمثيل المرأة السورية

 

في القانون: خطوة في الاتجاه الصحيح

عملت النساء عبر الجمعيات والقوى المؤثرة المختلفة على الضغط لتغيير القوانين وتعديلها لصالح المرأة، عبر العمل على دستور جندري يحفظ حقوق النساء.

وفي هذا الإطار تحدث المحامي غزوان قرنفل رئيس تجمع المحاميين السوريين لمنصة عين حول تطور أوضاع النساء القانونية في سوريا بعد 2011، وأشار إلى أنه وعلى الرغم من أن التحسن في الأوضاع القانونية للنساء في بعض القوانين السوري هو شيء نسبي ومحدود، “لكنه خطوة في الاتجاه الصحيح والتقييم هنا يقتصر على البعد القانوني للمسألة بصرف النظر عن الموقف السياسي من السلطة”.

وفنّدَ المحامي قرنفل التعديلات التي طرأت على القانون على الشكل التالي:

أولا: فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953 فقد جرت عليه تعديلات مرتين في الأعوام 2019   و2021.

التعديل الأول عام 2019 كان واسعا حيث عدلت فيه 70 مادة من أصل 308 مواد، وتنوع شكل التعديل فبعض المواد عدلت صياغتها بإضافة كلمات تشي برغبة المشرع بإضفاء نوع من المساواة والتكافؤ في الحقوق بين الزوجين، وبعض المواد أضيفت لها فقرات كاملة على نصها الأصلي وكلها تصب في مصلحة الزوجة.

مثال ذلك المادة 109 من القانون التي كانت تخلط بين حال الغياب وحال الزوج المحكوم بالحبس ثلاث سنوات فيما يتعلق بحق الزوجة بطلب التفريق وتضعهما بنفس السوية الزمنية وهي انقضاء سنة ليحق للزوجة طلب التفريق فجاء التعديل ليميز ويحدد أن غياب الزوج عن زوجته سنة واحدة يجيز لها طلب التفريق.. ثم يفرد فقرة للزوج المحكوم بالحبس ثلاث سنوات ويجيز لزوجته بعد ستة أشهر الحق بطلب التفريق أيضا.

أما التعديل الثاني للقانون الذي صدر عام 2021 واشتمل على تعديلات يمكن وصفها بالجوهرية رغم محدوديتها منها (تحديد سن الزواج ب18 سنة والسماح بأن تكون العصمة بيد المرأة وانتقال حضانة الأطفال من الأم للأب بدلا مما كانت عليه من الأم لأمها، تشميل أولاد البنت المتوفاة قبل أبيها بالوصية الواجبة حيث كانت قبلا تقتصر على أولاد الابن المتوفى قبل أبيه، واعتماد البصمة الوراثية في تحديد نسب الطفل عند النزاع حول النسب … الخ).

ثانيا: إصدار قانون تجنيس مجهولي النسب رغم ما أثاره من جدل بين الموالين والمعارضين على حد سواء لكني شخصيا أعتقد أنه خطوة إيجابية وبالاتجاه الصحيح لأنه ينصف الأطفال ويقيم وزنا لمصلحتهم الفضلى غير عابىء بالمآخذ التافهة التي أثارها الطرفين.

ثالثا: فيما يتعلق بمختلف أنواع العنف الأسري وغيره من أوجه العنف على النساء

التعديل الأول كان كان عام 2011 للمادة 548 من قانون العقوبات التي تمنح القاتل بما سمي بجرائم الشرف عذرا محلا من العقاب حيث استبدل النص ليحصل الفاعل على العذر المخفف.. ثم في شهر مارس 2020 صدر تعديل جديد لنفس المادة حيث ألغي أيضا العذر المخفف ولم تعد جريمة القتل بدافع شريف لها أية أعذار وتعتبر جريمة قتل صرفة. 

زواج المغتصب من ضحيته واعفائه من العقاب تم تعديل القانون فأصبح ينال عقابا مخففا بالحبس سنتين إن عقد الزواج عليها.

حول الاغتصاب الزوجي.. لا يعترف القانون السوري بالاغتصاب الزوجي ويرى أن مجامعة الرجل لزوجته حتى بلا رضاها حق له لا يوجب المساءلة.

على الرغم من أن الأزمة السورية تعتبر أسوأ أزمة إنسانية يشهدها القرن الواحد والعشرين، إلا أن هذا التغيير الكبير الذي فرضته الحرب، والتغير في الأدوار الجندرية، كان له العديد من الإيجابيات، إذ أدى إلى كسر الصورة النمطية للمرأة السورية، وإلى تطور وضعها في المجتمع والاعتراف بشرعية وجودها في سوق العمل وفي كافة المجالات.

تم إنتاج هذا البحث بدعم من مؤسسة بيتنا Baytna Online

Loading

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة