مخاوف وشكوك بلقاح كورونا تدفع لاجئين لرفض التطعيم

منصة عين

نازك تلحوق

“هل أخذتي اللقاح”؟ تتردد اللاجئة السورية مرام (52 عاما) المقيمة في هاتاي، قبل الإجابة عن سؤالنا، ثم تبتسم وتجيب بثقة، لم أخذه ولا نية لدي في أخذه، في حين تؤكد ابنتها الشابة سحر (24 عاما) رفضها للقاح وإنها لن تأخذه إلا في حال أجبرت على ذلك.

“إنهم يريدون القضاء علينا “تقول مرام،” لأن أعداد سكان العالم في ازدياد، لذا تم تصنيع هذا الوباء بغية إعطاء لقاحات تميت الناس بعد سنتين”.

وتسرد سحر أعداد من توفوا باللقاح، ولديها كم هائل من المعلومات في جوالها من منشورات وفيديوهات تؤكد نظريتها، تتبادلها مع أصدقائها في محاولات لإثبات وجهة نظرها وإقناع الآخرين.

وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن “رفض التطعيم” هو من بين أصعب 10 مشاكل صحية عالمية لمنظمة الصحة العالمية، وأن الشكوك المحيطة بالتطعيم أمر شائع بين المهاجرين واللاجئين.

رفض وتشكيك

تسري العديد من المعلومات المضللة، والأساطير والأخبار الكاذبة، بين اللاجئين السوريين في تركيا، حول لقاحات كورونا ومتحوراتها، ما يخلق جدلا في مجتمع اللاجئين بين مؤيد ورافض. فالبعض مقتنع بخطورة الوباء وضرورة اللقاح، بينما البعض الآخر رافض ومشكك في فعاليته وأثاره الجانبية متأثرا بالشائعات المنتشرة وحملات التضليل.

وبادرت منظمة الصحة العالمية منذ وقت مبكر، بالتحذير من هذه الظاهرة، وعقدت أكثر من مؤتمر عالمي شارك فيه مختصون من أنحاء العالم، وقدموا توصيات حول أهمية البحث والتحري والتدقيق واستقاء المعلومات من مصادرها الموثوقة، وإيلاء الجهات والسلطات الرسمية الثقة الكافية، والنظر بعين مدققة فيما يجري تداوله خاصةً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم التورط في نشر معلومات مجهولة المصدر.

وتنتشر الكثير من الفيديوهات المحذرة من اللقاح، ويتبنى بعض المؤثرين في العالم نظريات المؤامرة، ما تسبب بتأثر واقتناع العديد من اللاجئين الذين عبروا عن مخاوفهم لجهة رفض اللقاح بالكامل، أو رفض ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي، أو رفض الجرعة التنشيطية.

فماذا يقول رافضي اللقاح من اللاجئين السوريين في تركيا الذين استطلعت آرائهم منصة عين لمعرفة مخاوفهم وأسباب رفضهم:

مؤامرة!

تعزو مها اللاجئة السورية من عفرين (38 عاما) سبب رفضها اللقاح لأنه – كما الوباء- مؤامرة كونية، فهم يزرعون داخل جسدك أداة تعقب لمراقبتك. فيما تؤكد يسرى اللاجئة من درعا (60 عاما) أن غيتس (بيل غيتس) يستطيع التحكم بالملقحين من مكتبه، وعبر جهازه المحمول فيراقب الضغط ويرفع السكري وينهي حياة الشخص إذا رغب في ذلك.

ويؤكد اللاجئ السوري بشير (23 عاما) من مدينة حماه، أنه وضع قطعة نقود معدنية على ساعد صديقه الذي تلقى اللقاح فالتصقت، مستنتجا أن جهاز تعقب زرع داخل يد صديقه.

فيما أعرب مؤيد 25 عاما عن مخاوفه أن يتسبب اللقاح بالعقم، فقد قرأ انه يؤثر على الخصوبة ويغير في جينات الجسم.

وتختلف نظرة اللاجئ السوري سعيد وهو عامل تصليح أدوات كهربائية مقيم في عينتاب الى اللقاح، فرفضه له لا ينبع من نظرية المؤامرة، بل من نظرية المناعة “السوري لا يصاب بالكورونا ولا متحوراتها، فهي مجرد زكام ونحن مناعتنا مرتفعة، وأبنائنا ولدوا في البرد وفي ظروف مناخية قاسية واكتسبوا مناعة ونحن أيضا، أما اللقاح فهو لأصحاب المناعة الضعيفة”. بحسب سعيد

رفض الجرعة المنشطة

“أجبرت على أخذ الجرعتين الأولين لكني لن اخذ الجرعة المنشطة” يقول فؤاد اللاجئ الستيني المقيم في أورفه لمنصة عين مؤكدا أن جرعتين من اللقاح تكفي، “صحتي ممتازة ولا حاجة لي باللقاح”.

أما أبو أحمد فيؤكد أن اللقاح غير فعال فهو يعرف الكثير ممن أصيبوا بالوباء بعد التطعيم، وعانوا مثل من لم يأخذ اللقاح، بل أكثر بحسب قوله، لذا فهو لن يأخذ الجرعة المنشطة.

وتقول الستينية أم يوسف أنها لا تزور أحدا ولا تخرج من المنزل، فهي لن تأخذ الجرعة المنشطة، رغم أخذها جرعتين عن غير اقتناع، ولكن تأثرا بـ معارفها الذين اخذوا اللقاح.

أمر شائع بين اللاجئين

تقول طبيبة الصحة العامة يشيم ياسين إلى أن الشكوك المحيطة بالتطعيم أمر شائع بين المهاجرين واللاجئين وتضيف ياسين أن تركيا سمحت بالتطعيم بشكل متساو لمن يتمتعون بوضع الحماية المؤقتة أو اللجوء.  “لكن المشكلة أنه لا يوجد تعليم ووعي كاف، فمنذ بداية الوباء، تنشر المؤسسات العامة وكذلك المنظمات غير الحكومية منشورات ومقاطع فيديو توضيحية على شبكات التواصل الاجتماعي بلغات مختلفة. ولكن ليس كل شخص لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت. والمهاجرون واللاجئون محرومون بالفعل عندما يتعلق الأمر بالخدمات الصحية”.

المصدر

د. يشيم ياسين| الصورة: جيجيك طه أوغلو

وتنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه.

مكافحة التضليل

عملت العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية في تركيا على مكافحة المعلومات المضللة والشائعات حول الآثار الجانبية للقاح كوفيد 19، وقامت بتشجيع اللاجئين على تلقي التطعيم وتعزيز الثقة في اللقاحات وتوسيع نطاق تقبلها.

واستهدفت حملات التوعية اللاجئين في تركيا لتشجيعهم على الحصول على اللقاح، وتحذيرهم من المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي حول الآثار الجانبية المحتملة.

يقول أركان وهو متطوع في الهلال الأحمر التركي في حديثه لمنصة عين أن التحدي الأكبر في عمله كان في مواجهة المعلومات الخاطئة المتداولة بين اللاجئين، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي” كان لدى الكثير منهم مخاوف من اللقاح، ويسألون عن الآثار الجانبية، مؤكدا على أهمية حملات التوعية التي تستهدف اللاجئين وتشرح أهمية اللقاح ومخاطر عدم أخذه وتشجعهم للحصول عليه، وتحذرهم من المعلومات المضللة ، ويقول استمر البعض بالرفض، فيما اقتنع بعضهم بالحوار والشرح، واقتنع آخرون بعد حصول حالات وفاة لأشخاص يعرفونهم جراء الفيروس”.

عدم ترويج الأخبار المضللة

تشير منى ياسين، المسؤولة الإعلامية بمنظمة الصحة العالمية إلى عدة عوامل أسهمت في انتشار المعلومات المضللة حول اللقاحات، ومنها الانسياق غير الواعي من فئات وقطاعات واسعة في المجتمع وراء كل ما يُنشر دون تدقيق، والمبادرة بمشاركته مع الآخرين والترويج له وكأنه حقائق دامغة، وكذلك انتحال بعض الأفراد والمجموعات صفات علمية والتصدي للنصح والإرشاد وإرسال التحذيرات في شكل مقاطع فيديو أو رسائل صوتية تجد طريقها إلى الانتشار.

 وتؤكد ياسين أن بعض هؤلاء الأفراد هم نشطاء ينتمون إلى جماعات معروف عنها مناهضة مبدأ التطعيم بالأساس، وكان لديهم أدوار مشابهة حيال لقاحات مضادة لأمراض أخرى، مثل الحصبة والسل وشلل الأطفال، ما أدى إلى نوبات ارتدادية من هذه الأمراض بعد أن أوشكت على الاختفاء.

وتعتبر ياسين أن الإعلام يؤدي دورًا حيويًّا في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، “فالإعلام قد يشارك في إضفاء مشروعية على بعض المعلومات المغلوطة والمضللة من خلال التقاطها وإعادة طرحها ومناقشتها في البرامج الحوارية أو المواد الصحفية، فيضعها المتلقي في خانة الحقائق والقضايا الجادة”.

ويقول فايز عطية باحث الفيروسات الطبية والمناعة نقلا عن موقع Scientific American إن رفض اللقاحات هو أمرٌ خطيرٌ نشأ مع بداية تصنيعها، إذ ظهرت فئات متنوعة من الناس ترفض اللقاح بشكل قطعي، من ضمنهم أساتذة وأطباء متخصصون على مستوى العالم

ويبين عطية أن رفض اللقاحات يرجع إلى المعلومات الخاطئة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يتأثر بها الناس تأثرًا كبيرًا، “فالشائعات المنتشرة حول تحول البشر إلى “زومبي” بعد تلقي اللقاح، لا أساس لها من الصحة، كذلك لا أساس لكون اللقاح شريحة نانوية للتحكم في البشر”. ويشير إلى أن انتشار الشائعات هو نتيجة لضعف الوعي الإعلامي والمجتمعي، من وجهة نظره، ويؤكد أن الأمر يتطلب الكثير من الجهود التوعوية للتعريف بدور اللقاحات وطريقة عملها وأهميتها.

أما عزة عجلان وهي طبيبة وباحثة في علم النفس الإكلينيكي وعلم الاجتماع النفسي فتقول إن الخلفية العلمية القوية هي أمرٌ غير كافٍ لجعل الأشخاص يتقبلون اللقاحات دون قلق، فالخوف يتحكم في كل فرد بشكل مختلف، والخوف من اللقاحات يرجع إلى غريزة البقاء الأساسية، إذ تمثل اللقاحات للبعض أمرًا مجهولًا ومُهددًا، “الشعور بالخوف يعمل على إلغاء التفكير المنطقي والعقلية النقدية، ومعظم الناس تحصل على معلوماتها بشكل سريع وغير عميق، دون البحث عن مصادر أخرى لتأكيد صحة المعلومات”.

أسباب التردد والرفض

وفي بحث أعده الهلال الأحمر التركي تضمن استبيانا موجها للاجئين في تركيا حول أسباب التردد وعدم الرغبة في تلقي لقاح كوفيد 19، وجاءت النتيجة على الشكل التالي:

أفاد 37.4% من اللاجئين انهم أصحاء ولا يجدون أن اللقاح ضروري، فيما أجاب 28.2%انهم مترددون لخوفهم من وجود أعراض جانبية وبأنهم لا يثقون باللقاح. وأجاب 16.2% انهم معزولون لذا لا ضرورة للقاح، وقال 9.5%انهم قلقون من إمكانية تعارض اللقاح مع أدوية يتناولونها، فيما قال 5.3 % انهم لا يجدون أن اللقاح ضروري كونهم أصيبوا بكورونا وتماثلوا للشفاء. وعزت النسبة الباقية الرفض الى أسباب أخرى

Vaccination Status of the Refugees in Turkey- Final Template for TRCS.PDF (reliefweb.int)

خطورة رفض اللقاح

 ويؤكد د. انس أعيان استشاري الأمراض الباطنية ومكافحة العدوى في حديثه لمنصة عين على خطورة رفض اللقاح ويدعو الى اخذ التطعيمات الكاملة لتفادي أو تقليل خطورة الإصابة، وهو ما ثبت علميا لمن تلقوا اللقاح. فالتحصين يقلل من حدة الأعراض والحاجة لدخول العناية المركزة، بينما الإصابة لدى غير المحصنين بجرعات كاملة تجعلهم أكثر عرضة للحاجة الى مساعدات التنفس سواء صناعيا أو لأجهزة التنفس غير التداخلية

ويشير د. انس الى أن انتشار المتحورات سريع جدا خصوصا ال omicron، ورغم قلة الإعياء الناتج عن متحور omicron فهو يبقى الأكثر قابلية للانتشار، وإصابة كبار السن أو المصابين بأمراض مزمنة تجعلهم في خطر حصول إصابة تنفسية حادة قد تؤدي للوفاة. بينما متحورات دلتا تعتبر الأكثر شراسة في إيذاء البشر. ويحذر من رفض اللقاح ” رفض اللقاح يجعلك عرضة لإصابات حادة من فيروس كوفيد مقارنة بالأشخاص المحصنين جرعتين على الأقل، كما أن رفض اللقاح لا يعرضك فقط لخطورة الإصابة، فقد تنقل العدوى لأفراد المنزل المصابين بأمراض مزمنة أو أمراض تستدعي علاج مناعي ما قد يتسبب في وفاتهم”

وعن مخاوف اللاجئين من الأعراض الجانبية للقاح يؤكد الطبيب انس أن الأعراض الجانبية تحصل مع الكثير من التطعيمات، وحتى بعض الأدوية، ولكن رغم وجود أعراض جانبية، إلا أنها تبقى اقل ضررا من الإصابة، على وجه الخصوص الأعراض التنفسية. وحصول أعراض جانبية من اللقاح امر متوقع لكن الخطأ في نشر الدعاية السلبية بدلا من الحرص على تقييم الفوائد من اخذ اللقاح.

 وحول انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة يقول الطبيب انس الإشاعات تصدر غالبا حال تطوير أي لقاح كما حصل في لقاح الأنفلونزا، أما الإشاعات عن وجود شريحة نانو وأن الفيروس مصنع والهدف إعطاء تطعيمه تحتوي على شريحة نانو لتتبع الشخص هو امر غير صحيح إطلاقا ولا يوجد دليل علمي لإثباته.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كنداGlobal Affairs Canada.

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة