تغيّر الوعي بالأمراض النفسية للاجئين السوريين في تركيا

منصة عين

نازك تلحوق

“منذ عام تماما كنت أحدث أمي عن تصرفات تقوم بها ابنتي راما (تسعة أعوام) وتقلبات مزاجها الغريب وانتقالها من الضحك الهستيري إلى البكاء الشديد، وكان الأمر يتكرر ويثير قلقي وخوفي، وكانت أمي ترفض فكرة عرضها على طبيب نفسي كي لا يقول الناس أنها مجنونة ولا يسمحوا لأطفالهم باللعب معها”، تقول ميرنا (36 عاما) اللاجئة السورية المقيمة في إسطنبول لمنصة عين.

وتضيف، “كان الأمر يقلقني كثيرا فأنا لدي فكرة بسيطة عن المشكلات النفسية من خلال بعض المطالعات، تحدثت لصديقاتي المقربات فوجدت الدعم الكامل منهن، فهن من المهتمات بمتابعة أخبار الصحة النفسية في المقالات والحملات المحلية المختلفة، حدثنني عن التجارب الناجحة لأشخاص قصدوا منظمات تدعم الصحة النفسية في تركيا أو مشافي وعيادات متخصصة، وشجّعنني على عرضها على أخصائي نفسي، وهذا ما حصل، إذ توجهت بابنتي إلى عيادة الأمل والشفاء في إسطنبول وتم تشخيصها باضطراب ثنائي القطب، وهي تخضع للعلاج الآن ووضعها في تحسن مستمر”.

وتؤكد ميرنا، “تغيرت نظرة أمي بعد تعرفها على طرق العلاج وفعاليته والسرية واحترام حقوق المريض، والتحسن الذي بدأنا نلمسه في سلوك ابنتي وهي الآن تلوم نفسها على عدم دعمها لي في البداية وتشكر صديقاتي على الدوام، فالتوعية المجتمعية بالأمراض النفسية تساهم في تخفيف المخاوف تجاه الوصم المجتمعي وتدعم المريض وعائلته لاتخاذ قرار سليم يعجل بالعلاج كما تقول”.

ووفقا لجمعية الطب النفسي الأميركية، فإن أكثر من نصف المصابين بمرض نفسي لا يتلقون المساعدة في علاج اضطراباتهم، لأن الكثيرين يتجنبون أو يؤخرون طلب العلاج بسبب مخاوف بشأن معاملتهم بشكل مختلف أو مخاوف من فقدان وظائفهم وسبل عيشهم، وذلك لأن وصمة العار والتحيز والتمييز ضد الأشخاص المصابين بمرض عقلي لا تزال تُمثل مشكلة كبيرة.

تغير ملموس

تقول لمياء (28 عاما) لمنصة عين، “نحن عائلة كبيرة نزحنا جميعا إلى تركيا وكمعظم السوريين مثقلين بالمشاكل النفسية التي تطور بعضها إلى مشكلات عقلية لدى اثنان من أفراد العائلة، في عُرف العائلة كانت الخطوة الأولى في البحث عن خدمات طبية أو صحة عقلية هي الذهاب إلى زعيم ديني، قبل طلب المساعدة في مكان آخر.

وتضيف لمياء، “إذا لم يستطع الشيخ المساعدة، فيمكننا أخذه إلى طبيب، هذا كان حكرا على الأزمات الصحية والمشاكل العقلية المعقدة، أما اليوم وبعد الكثير من التوعية تغير الأمر وأصبح قبول خيار الطبيب النفسي مسموحا، ولكن بعد استشارة شيخ وهذا بحد ذاته تطور”.

من جهته يؤكد أيهم (33عاما) أنه خضع لعلاج نفسي وهو لا يخجل من الحديث عنه، “ربما في السابق كنت أتردد في الحديث بسبب الوصم، ولكن بعد اقتناعي أن ما تعرضنا له في سوريا جعل الغالبية العظمى تعاني نفسيا ولست وحدي، وإن رفضت العلاج فالحالة ستسوء كثيرا، فاقتنعت أنه من الجيد أن أتصالح مع نفسي وأعترف وأطلب المساعدة”.

وأضاف أيهم، “تعلمت من تجربتي أنه من الخطأ أن ندع تصورات الآخرين تخيفنا وتمنعنا من الحصول على المساعدة التي نحتاج إليها، فالاكتئاب مرض يدمر حياتنا، كما قد تدفع بعض الاضطرابات النفسية أصحابها للانتحار، لذا من الضروري جدا طلب المساعدة المتخصصة والحصول عليها كما فعلت أنا، كنت أكتم ألمي خوفا من أحكام الآخرين ومن الوصم فخسرت عملي وأصدقائي وصحتي ولكن عندما استجمعت شجاعتي وبدأت العلاج مع منظمة “أوسوم”، اكتسبت صحتي النفسية والجسدية واحترامي لكياني أولا، وإعجاب وتقدير أسرتي التي عانت كثيرا بسبب معاناتي سابقاً”.

حملات توعية مجتمعية

أنت منيحة: حملة أممية تسلط الضوء على معاناة اللاجئات السوريات في تركيا والآثار السلبية لكوفيد-19 على حياتهن | أخبار الأمم المتحدة (un.org)

تلعب حملات التوعية بالأمراض النفسية دورا كبيرا في خلق بيئة أمنة للمريض للحديث عن مشاكله النفسية وفي زيادة التقبل المجتمعي لطلب العلاج وتقديم الدعم والحصول عليه.

وفي هذا الإطار أطلقت مبادرة فيريفايد التابعة للأمم المتحدة حملة بعنوان “#أنت منيحة”، بالتعاون مع احدى محطات الراديو السورية في تركيا بهدف تسليط الضوء على معاناة اللاجئات السوريات في تركيا، والآثار السلبية لجائحة كـوفيد-19 على حياتهن، واستمرت الحملة من شهر أيلول حتى تشرين الثاني 2021 واستهدفت اللاجئات السوريات في مدينة غازي عنتاب.

وشملت حملة فيريفايد برامج وفقرات وحوارات مع متخصصين بالطب والإرشاد النفسي بهدف خلق بيئة آمنة للنساء لكي يتمكنّ من الحديث عن صحتهن النفسية، بالإضافة إلى توفير الاستشارة عن طريق الاختصاصي.

وقال مصطفى الدَبّاس، المدير التنفيذي لحملة “أنت منيحة”، وفي حوار نقلا عن أخبار الأمم المتحدة، إن اللاجئات السوريات في غازي عنتاب عانين من صراعات وصدامات خلال السنوات العشر الأخيرة وفاقمت جائحة كورونا الوضع، وأضاف أن بعض النساء ممن يعشن في غازي عنتاب فقدن أفرادا من أسرهن بسبب الحرب، “والبعض منهن معزولات تماما عن العالم نسبة لعدم القدرة على استخدام التكنولوجيا أو الوصول إلى المعلومات وعبر الراديو يمكننا الوصول إلى قطاع كبير من الناس”.

بالأرقام

أشارت دراسة أعدها باحثون من جامعات كولومبيا واشنطن وكاليفورنيا ونشرت في شهر آب من العام الجاري، حول الصحة النفسية للاجئين السوريين، أن الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الصحة العقلية هي النساء والأطفال ويسهم تعرض اللاجئات إلى الاعتداء الجنسي والبدني والنفسي في زيادة مخاطر الإصابة بحالات الصحة العقلية الحادة، كما أن اللاجئات أكثر عرضة للعنف من جانب الشريك الحميم وهو ما يرتبط أيضا بخطر الإصابة بالاضطراب العقلي.

ويصف بحث خاص باللاجئين السوريين في تركيا معدلات انتشار عالية للاضطرابات النفسية، ففي دراسة أجريت على السوريين الذين يعيشون في camp city، تبين وجود معدلات عالية من اضطراب ما بعد الصدمة (83.4٪) والاكتئاب (37.4٪) وكشفت دراسة استقصائية أجرتها منظمة الصحة العالمية للأسر السورية في 15 مقاطعة في تركيا عن مشاعر اكتئاب شديدة لدى 17٪ من البالغين المجيبين.

وفي إسطنبول، وجدت دراسة حديثة ارتفاع معدلات اضطراب ما بعد الصدمة (19.6٪)، والاكتئاب (34.7٪)، والقلق (36.1٪)، ارتفاع معدلات من الاضطراب العقلي لدى الأطفال والمراهقين في إسطنبول (23.7٪).

وكشفت الدراسة أن الغالبية العظمى من الأفراد الذين تبين إصابتهم باضطرابات نفسية لم يطلبوا العلاج، بسبب مجموعة من العوائق، منها تكاليف العلاج، وصمة العار، ونقص المعرفة بالنظام الصحي، والاعتقاد بأن الأعراض ستحل بمرور الوقت.

وكان من المهم السعي إلى برامج مجتمعية للصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي يمكنها معالجة هذه الحواجز وتقليل فجوة العلاج.

برنامج  MHGAP

أُنشئَ برنامج mhGAP ضمن خطة عمل منظمة الصحة العالمية في مجال الصحة النفسية (2019-2023) بهدف توسيع الوصول إلى خدمات الصحة النفسية في اثني عشر دولة ذات أولوية فيما يخص الاضطرابات النفسية والعصبية وتعاطي المخدرات، بالإضافة إلى تدريب العاملين الصحيين غير المتخصصين، في الأماكن محدودة الموارد، للتعرف على الأمراض النفسية الشائعة وعلاجها.

وتضمن البرنامج التدريبي الخاص بتركيا مقدمة حول mhGAP، والرعاية الأساسية، والاكتئاب، والذهان، والصحة العقلية للأطفال والمراهقين، الخرف، وإيذاء النفس / الانتحار، والاضطرابات المرتبطة بالتوتر وتعزيز الصحة النفسية واضطرابات القلق.

وفي هذا الإطار درّبت وزارة الصحة التركية ومنظمة الصحة العالمية حوالي 1468 طبيبًا سوريًا وتركيًا على mhGAP بين عامي 2016 و2019، وهو أكبر عدد من الأطباء المدربين على mhGAP في أي مكان في العالم.

وبسبب النقص في طاقم الأطباء النفسيين وغيرهم من المتخصصين في الصحة العقلية، قامت منظمة الصحة العالمية بتدريب العاملين الصحيين غير المتخصصين وموظفي الرعاية الأولية على برنامج mhGAP بهدف الاكتشاف المبكر وتقديم العلاج للحالات التي تحتاج إلى دعم الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي.

في دراسة بحثية نشرت في المجلة الدولية لأنظمة الصحة النفسية أعدها باحثون من وزارة الصحة التركية ومنظمة الصحة العالمية بعنوان، “الاستجابة لاحتياجات الصحة النفسية للاجئين السوريين في تركيا: تقييم أثر التدريب على MHGAP” ، تم إظهار صورة شاملة عن الكيفية التي ساعد بها البرنامج التدريبي المتخصصين الصحيين السوريين والأتراك، في الحصول على مزيد من المعلومات حول اضطرابات الصحة العقلية والنفسية والتشخيص والعلاج؛ وكيف أدى البرنامج إلى تحسين الخدمة المقدمة لللاجئين السوريين المحتاجين لخدمات الصحة النفسية في تركيا.

نتائج مشجعة

وأظهرت المعلومات حول حالة الصحة النفسية والرضا عن خدمات الصحة النفسية المقدمة في مراكز تدريب صحة اللاجئين، بدعم من وزارة الصحة التركية ومنظمة الصحة العالمية، بعد تلقي خدمة الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في عدة ولايات في تركيا نتائج جيدة.

وكان معظم طالبي العلاج الذين تمت مقابلتهم من النساء (77.3٪)، وكان متوسط ​​عمر المستجوبين 32 (من 15- إلى 70 عاما)، 71.2% حاصلون على تعليم ابتدائي أو ثانوي، لم يتلق 17.8٪ أي تعليم وكان 11.1٪ جامعيون.

غالبية المستجيبين عاطلين عن العمل (72.7٪)، بينهم 85.4٪ من العرب و9.5٪ من الأكراد والباقي من أصول عرقية أخرى، وكان جميع المستجيبين مسلمين (% 99.4) و0.6٪ كانوا مسيحيين.

 75.9٪ متزوجون و10.4٪ غير متزوجين و13.7٪ مطلقون أو أرامل.

وأشارت النتائج إلى أن خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي المقدمة في المرافق التي شملها المسح أدت إلى تحسين الصحة النفسية للاجئين، حيث أفاد أكثر من 95٪ من المستجيبين أنهم سعداء بجودة الخدمات المقدمة في المرافق الصحية التي شملها الاستطلاع في 5 مقاطعات، وأفاد حوالي 93٪ عن تلبية احتياجاتهم ورضاهم عن السرية وسلوك الموظفين وإمكانية تحديد موعد جديد والمدة الزمنية، وكان متوسط ​​وقت الانتظار 11 دقيقة، وذكر حوالي 97٪ منهم أنهم سيعودون لنفس الخدمة و98٪ سينصحون المقربين بالعلاج.

تحسن وتجاوب في مناطق معينة

التقت منصة عين صفوان قسّام الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي والمقيم في مدينة غازي عينتاب الذي ربط بين زيادة الوعي المجتمعي بالأمراض النفسية وبين القرب الجغرافي من المنظمات العاملة في هذا الشأن، وقال صفوان، “هناك زيادة واضحة، ولكنها مرتبطة بالأشخاص القريبين جغرافيا من المنظمات، والتحسن هو في المناطق التي تتواجد فيها المنظمات أكثر من بعض المدن الريفية التي يتواجد فيها الكثير من السوريين، إذ لا تقوم هذه المنظمات بالجهد الكافي للتوجه إليها وتقديم خدمات الصحة النفسية، لذا لا نرى تحسنا كبيرا وتجاوبا مع الحملات إلا لدى الناس القريبة من المنظمات مقابل باقي الفئات التي لا نلحظ تطورا عليها من هذه الناحية”.

وأضاف قسّام، “تركيا دولة كبيرة وعدد السوريين فيها يفوق الثلاثة ملايين نسمة، ولكن حجم ضخ الأموال لا يتناسب مع النتيجة التي نراها بالعموم، كما أن التغير الحاصل لا يتناسب مع حجم الإنفاق المالي والجهد المبذول، ففي غازي عنتاب مثلا يوجد 450 ألف لاجئ سوري، لكن لا يوجد إلا مركز صحة نفسية وحيد، وهذا لن يكفي بالطبع لهذا العدد من اللاجئين”.

وعن موضوع الوصم المجتمعي يشير قسّام إلى أنه لا زال موجودا ولكنه أقل من السابق بالتأكيد “هنالك تحسن بالنسبة إلى التعرف على الأعراض والاضطرابات النفسية وهو أفضل بقليل عن السابق، أما بالنسبة إلى الاضطرابات الذهنية متل الفصام وتخيل رؤية الجن مثلا، فلا زال السوريون يلجؤون إلى المشايخ للمعالجة واستخدام رقيات شرعية للعلاج بهذا الأمر،  وحتى الآن لا تزال الناس تؤمن إن من يرى ويسمع أشياء غير موجودة هو شخص ممسوس، ولو طلبنا منهم رؤية طبيب نفسي ومعالجة نفسية والفصل بين الطب والدين يقومون بتكفيرنا أحيانا ويرفضون نهائيا فكرة العلاج بالدواء”.

وحول نسب قبول العلاج بين الجنسين يقول الأخصائي قسّام، “الإناث هن الأكثر إقبالا من الذكور على العلاج لكن نلاحظ أنهن الأكثر انقطاعا أيضا عن المتابعة، مقابل الذكور الذين إن بدأوا العلاج يستمرون فيه للنهاية”.

وعن تزايد حالات الأهل الذين يصطحبون أطفالهم للمعالجة النفسية يقول الأخصائي قسّام، “أغلب الشكاوى تجاه الأطفال تكون من الأمهات والأشخاص كبار السن بسبب فروقات كبيرة بعدد السنوات بينهم وبين الأبناء والأحفاد، فيحضرونهم إلى المراكز للشكوى أنهم كثيرو الحركة وفرط النشاط، ومع التدقيق ودراسة الحالة يظهر أنهم أطفال طبيعيون ويمرون بمرحلة عمرية صحيحة، ولكن المشكلة تكون عند الأهل غالبا، فهم من يعاني من اضطرابات القلق والتوتر والاكتئاب، فالاضطراب النفسي لدى الأهل هو ما يدفعهم لجلب أبنائهم للمراكز أكثر من الوعي”.

أهمية التدريب

أشار الأخصائي صفوان قسّام إلى ازدياد أعداد الأخصائيين النفسيين المدربين المؤهلين للقيام بالعلاج بشكل عام في مجتمع اللاجئين منذ ثماني سنوات حتى الآن، “نرى زيادة كبيرة، ولكن لا نرى تحسنا كبيرا”، ولكن الموضوع ليس شهادة فقط، فهناك الكثير من المعالجين أصحاب الشهادات العليا الذين لا يصلحون للقيام بمهنة المعالجة، فالأمر ليس شهادة وإجراءات فقط، بقدر ما هو مهارة فردية وتدريب وملامح مريحة وذكاء عاطفي وقدرة على فهم الشخص طالب العلاج والتناغم مع انفعالاته ليتحسن”.

ويضيف الأخصائي الاجتماعي صفوان، “هناك معالجون نفسيون ينفّرون الناس من العلاج، وهناك حالات اجتهاد يقومون بها ترقى لمستوى الجناية أو الجنحة وقد تتسبب بكارثة، كأن يقال للشخص أن لديه اضطراب ثنائي القطب بينما هو يعاني من الاكتئاب، كذلك بعد فتح المجال للمتدربين غير المتخصصين على برنامج mhGap  فأصبح من تدرب عليه يعتبر نفسه طبيبا نفسيا باستطاعته وصف دواء يحتاج لإشراف طبي، فهذا البرنامج برأيي سلاح ذو حدين، فبالرغم من أنه أنشئ لزيادة عدد الأشخاص القادرين على العلاج النفسي لمن لديهم اضطرابات، لكنه فتح الباب أمام بعض الأشخاص كي يقوموا بوصف دواء دون إشراف طبي، لذا يفضل العمل على موضوع التشخيص والعلاج النفسي ومهارات التواصل والاستماع الفعال، وبرامج وأنشطة وإخضاع المتدربين للعديد من الدورات بعد تدريب ال mhgap   قبل الوصول لمرحلة صرف الدواء”.

وختم قسّام مشيرا إلى أن الأطباء النفسيين السوريين في تركيا هم حوالي العشرة أطباء فقط مقابل 3.5 مليون سوري وهو رقم غير كاف يجعل الناس تلجأ إلى الأطباء الأتراك، وأضاف” هناك عدم مهنية وعدم كفاءة لدى العديد من الأطباء الأتراك، وهناك العديد من الحالات التي شخصت “اكتئاب” بسبب عدم وجود مترجم وعدم الرغبة بتقييم الحالة، كأن ينظر إلى السوري ويصف له دواء اكتئاب دون إجراء فحوصات، وأنا أعرف فتاة ذهبت إلى العيادة تشكو من ألم في المعدة، ووصفوا لها دواء لأعراض متقدمة جدا من الاكتئاب وبعيارات ثقيلة لأنهم لم يرغبوا بتقييم الحالة”.

أوسوم: زيادة في أعداد طالبي الخدمات النفسية

التقت منصة عين بمدير التواصل في منظمة أوسوم تركيا محمد عجوم الذي أشار إلى أن الوصمة والمفاهيم الخاطئة المتعلقة بالصحة النفسية لا تزال تشكل عائقاً أمام الوصول، والحصول على خدمات الرعاية الصحية النفسية بالنسبة للاجئين ليس فقط في تركيا، وإنما في بلدان اللجوء الأخرى، “ولكن رغم ذلك، من خلال جلسات رفع التوعية المجتمعية على القضايا التي تتعلق بالصحة النفسية والأثر الإيجابي لخدمات الصحة النفسية الذي يلمسه ليس فقط طالبو الخدمة وإنما ذويهم أو مقدمي الرعاية، لاحظنا زيادة في أعداد طالبي الخدمة سواء من خلال الإحالة الذاتية بنسبة 10% في عام 2020 بينما كانت 7% في عام 2019”. 

وتختلف آليات الوصول إلى مراكز الصحة النفسية من منطقة إلى أخرى حيث تساهم عدة أمور في ذلك منها موقع المركز، السياق الثقافي والاجتماعي، طبيعة الخدمات المقدمة في المركز متخصصة أو مركز غير متخصصة، لكن بشكل عام تقريباً معظم الحالات تصل المركز من خلال الإحالة من مزودي خدمة آخرين مثل مراكز الرعاية الصحية الأولية، أو عن طريق مستفيدين آخرين أو من خلال الإحالة الذاتية، إذ وصلت نسبة المستفيدين الذين تمت إحالتهم من مزودي خدمة آخرين في عام 2021 إلى 12% بينما كانت 8 % في عام 2020، بحسب محمد عجوم.

مستفيدون ووعي مجتمعي

ومن خلال بيانات مراكز أوسوم تركيا للصحة النفسية في الولايات التركية الأربعة: كيليس، غازي عنتاب، إسطنبول، وهاتاي.

في عام 2020، وصل عدد المستفيدين من خدمات الصحة النفسية الفردية إلى 2250 مستفيد، بينما وصل عدد المستفيدين من جلسات التوعية الجماعية إلى 3250 مستفيد، وكانت نسبة الرجال 34% بينما كانت نسبة النساء 66%.

في عام 2021، حيث يتم تقديم خدمات الصحة النفسية في مركزين فقط هما إسطنبول وهاتاي، وصل عدد المستفيدين من الجلسات الفردية إلى 1556 مستفيد، في حين وصل عدد المستفيدين من جلسات التوعية الجماعية إلى 624 مستفيد، وكانت نسبة الرجال 44% بينما كانت نسبة النساء 56%.  

وأضاف عجوم، “اعتماداً على المقاييس ذات الأساس العلمي المعتمدة في مراكز أوسوم تركيا لخدمات الصحة النفسية، في عام 2020 أظهر 87% من مستفيدي المراكز تحسناً ملحوظاً سواء على مستوى الأعراض أو الأداء الوظيفي، بينما في عام 2021 وصلت النسبة إلى 94%”.

وأردف، “لا تقل أهمية جلسات التوعية الجماعية أهمية عن التدخلات الفردية لما لها دور كبير في زيادة الوعي المجتمعي على قضايا الصحة النفسية والتعريف بالخدمات، فوفقاً لبيانات مراكز أوسوم تركيا للصحة النفسية في عام 2019، كان عدد المستفيدين الذين كان لديهم وصول إلى المراكز 10742 مستفيد 18% منهم أطفال، وكانت نسبة الرجال 46% بينما كانت نسبة النساء 54%. بينما في عام 2020 وصل عدد الزيارات إلى 11215 مستفيد 24% منهم أطفال، وكانت نسبة الرجال 42% بينما كانت نسبة النساء 58%.

تصحيح المفاهيم وتخفيف الوصمة

ولفت عجوم إلى أن الخرافات والمفاهيم الخاطئة المتعلقة بالصحة النفسية بالإضافة إلى الثقافة المجتمعية التي تتضمن العادات والتقاليد، تعد من العوائق التي تحول دون طلب أو الوصول إلى خدمات الصحة النفسية.

وأضاف، “لا يمكن تغيير هذه المفاهيم بين عشية وضحاها باعتبارها، وإن كانت خاطئة، جزء من السياق والموروث الثقافي، ولكن تلعب برامج الصحة النفسية المرتكزة على المجتمع المحلي دوراً هاماً في تصحيح تلك المفاهيم، والتخفيف من الوصمة المتعلقة بطلب خدمات الصحة النفسية، وذلك من خلال جلسات رفع الوعي سواء في مراكز الصحة النفسية، أو في المجتمع المحلي في المراكز المجتمعية، مراكز الرعاية الصحية الأولية، أو عن طريق الإنترنت أو وسائل التوصل الاجتماعي مثل بث مباشر على صفحة المنظمة على موقعها أو على الفيسبوك، وأيضاً عن طريق رسائل التوعية مثل المناشير، البوسترات، البروشورات…. إلخ”.

وأضاف عجوم، “هنا أريد أن أنوّه أنّه يجب على وسائل الإعلام سواء المرئي أو المسموع أو المقروء أن تأخذ على عاتقها أيضاً هذا الدور من خلال برامج توعوية على سبيل المثال”.  

أثر إيجابي لبرنامج رأب الفجوة MH Gap

أشار عجوم إلى الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بالصحة النفسية في سوريا، والتي تشمل 1931 اختصاصيًا في مجال الصحة العقلية، 0.37 طبيباً نفسياً، 1.07 ممرضاً، 1.07 أخصائياً نفسيًا، و0.08 عاملاً اجتماعياً لكل 100000 نسمة، بينما في شمال سوريا بأكملها، لا يوجد سوى طبيبين نفسيين.

ويعكس هذا النقص في الكوادر ضعف الإمكانيات على إدارة الحالات ومعالجتها من قبل مقدمي رعاية الصحة النفسية المتخصصين في حين يزداد عبء الاضطرابات النفسية، علاوة على ذلك، هناك نقص في خدمات الصحة النفسية المرتكزة على المجتمع، مما يجعل من الصعب على مزودي الخدمات الوصول إلى أولئك الذين يعيشون خارج المدن الكبيرة.

وأضاف، “بناء عليه تمّ البدء باستخدام برنامج رأب الفجوة في الصحة النفسية المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية كأداة تخفيف للتعامل مع التحديات الناجمة عن النقص في خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في جميع أنحاء شمال سوريا، والقائم على زيادة قدرة نظام الرعاية الصحية الأولية على تقديم حزمة متكاملة من الرعاية من خلال الدعم والتدريب والإشراف، وكان لهذا البرنامج أثراً إيجابياً على نطاق واسع في تغطية أكبر عدد من المستفيدين بحاجة لخدمات الصحة النفسية، وعلى الرغم من ذلك، ونظراً لأن الأطباء المدربين على برنامج رأب الفجوة يقدمون رعاية الصحة النفسية للأفراد الذين يعانون من علامات وأعراض اضطرابات الصحة النفسية الشائعة الخفيفة إلى المتوسطة، حيث يتم التعامل معها بما يتماشى مع إرشادات برنامج رأب الفجوة، مما يترك مجموعة واسعة من اضطرابات الصحة النفسية الأخرى في حزمة خدمة رأب الفجوة دون رعاية، وتشمل هذه الثغرات الاضطرابات الشديدة التي لا تتلقى الرعاية النفسية اللازمة”.

وتنص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه، “لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة، أو المرض، أو العجز، أو الترمل، أو الشيخوخة، أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

شارك:

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

منشورات ذو صلة